مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٠٢
وجهة فاما الذي لا يكون مختصا بمكان وجهة وكان ذلك محالا في حقه امتنع وصفه بالغيبة والحضور فظهر الفرق واللّه اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨ إلى ٩]
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)
[قوله تعالى وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] اعلم انه تعالى لما بين في الآية الاولى ان من جملة احوال القيامة السؤال والحساب بين في هذه الآية ان من جملة احوال القيامة ايضا وزن الأعمال وفي الآية مسائل :
المسألة الاولى : الْوَزْنُ مبتدا ويَوْمَئِذٍ ظرف له والْحَقُّ خبر المبتدا ويجوز ان يكون يَوْمَئِذٍ الخبر والْحَقُّ صفة للوزن اي والوزن الحق اي العدل يوم يسال اللّه الأمم والرسل.
المسألة الثانية : في تفسير وزن الأعمال قولان : الاول : في الخبر انه تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة يوزن به اعمال العباد خيرها وشرها ثم قال ابن عباس : اما المؤمن فيؤتى بعمله في احسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته فذلك قوله : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الناجون قال وهذا كما قال في سورة الأنبياء : وَنَضَعُ / الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الأنبياء : ٤٧] واما كيفية وزن الأعمال على هذا القول ففيه وجوه : أحدهما : ان اعمال المؤمن تتصور بصورة حسنة واعمال الكافر بصورة قبيحة فتوزن تلك الصورة : كما ذكره ابن عباس. والثاني : ان الوزن يعود إلى الصحف التي تكون فيها اعمال العباد مكتوبة وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم عما يوزن يوم القيامة فقال :«الصحف»
وهذا القول مذهب عامة المفسرين في هذه الآية وعن عبد اللّه بن سلام ان ميزان رب العالمين ينصب بين الجن والانس يستقبل به العرش احدى كفتي الميزان على الجنة والاخرى على جهنم ولو وضعت السماوات والأرض في إحداهما لوسعتهن وجبريل آخذ بعموده ينظر إلى لسانه وعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم :«يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة الميزان ثم يخرج له قرطاس كالانملة فيه شهادة ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله يوضع في الاخرى فترجح»
وعن الحسن : بينما الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم واضع رأسه في حجر عائشة رضى اللّه عنها قد اغفى فسالت الدموع من عينها فقال :«ما اصابك ما ابكاك؟» فقالت : ذكرت حشر الناس وهل يذكر احد أحدا فقال لها :«يحشرون حفاة عراة غرلا» لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس : ٣٧] لا يذكر احد أحدا عند الصحف وعند وزن الحسنات والسيئات،
وعن عبيد بن عمير يؤتى بالرجل العظيم الأكول الشروب فلا يكون له وزن بعوضة.
والقول الثاني : وهو قول مجاهد والضحاك والأعمش ان المراد من الميزان العدل والقضاء وكثير من المتأخرين ذهبوا إلى هذا القول وقالوا حمل لفظ الوزن على هذا المعنى سائغ في اللغة والدليل عليه فوجب المصير اليه. واما بيان ان حمل لفظ الوزن على هذا المعنى جائز في اللغة فلان العدل في الأخذ والإعطاء لا يظهر الا بالكيل والوزن في الدنيا فلم يبعد جعل الوزن كناية عن العدل ومما يقوي ذلك ان الرجل إذا لم يكن له قدرة ولا قيمة عند غيره يقال : ان فلانا لا يقيم لفلان وزنا قال تعالى : فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً


الصفحة التالية
Icon