مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٠٣
[الكهف : ١٠٥] ويقال ايضا فلان استخف بفلان، ويقال هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه اي يعادله ويساويه مع انه ليس هناك وزن في الحقيقة قال الشاعر :
قد كنت قبل لقائكم ذا قوة عندي لكل مخاصم ميزانه
أراد عندي لكل مخاصم كلام يعادل كلامه فجعل الوزن مثلا للعدل.
إذا ثبت هذا فنقول : وجب ان يكون المراد من هذه الآية هذا المعنى فقط والدليل عليه ان / الميزان انما يراد ليتوصل به إلى معرفة مقدار الشيء ومقادير الثواب والعقاب لا يمكن إظهارها بالميزان لان اعمال العباد أعراض وهي قد فنيت وعدمت ووزن المعدوم محال وايضا فبتقدير بقائها كان وزنها محالا واما قولهم الموزون صحائف الأعمال او صور مخلوقة على حسب مقادير الأعمال. فنقول : المكلف يوم القيامة اما ان يكون مقرا بانه تعالى عادل حكيم او لا يكون مقرا بذلك فان كان مقرا بذلك فحينئذ كفاه حكم اللّه تعالى بمقادير الثواب والعقاب في علمه بانه عدل وصواب وان لم يكن مقرا بذلك لم يعرف من رجحان كفة الحسنات على كفة السيئات او بالعكس حصول الرجحان لاحتمال انه تعالى اظهر ذلك الرجحان لا على سبيل العدل والإنصاف فثبت ان هذا الوزن لا فائدة فيه البتة أجاب الأولون وقالوا ان جميع المكلفين يعلمون يوم القيامة انه تعالى منزه عن الظلم والجور والفائدة في وضع ذلك الميزان ان يظهر ذلك الرجحان لأهل القيامة فان كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد فرحه وسروره بسبب ظهور فضله وكمال درجته لأهل القيامة وان كان بالضد فيزداد غمه وحزنه وخوفه وفضيحته في موقف القيامة ثم اختلفوا في كيفية ذلك الرجحان فبعضهم قال يظهر هناك نور في رجحان الحسنات وظلمة في رجحان السيئات وآخرون قالوا بل بظهور رجحان في الكفة.
المسألة الثالثة : الأظهر اثبات موازين في يوم القيامة لا ميزان واحد والدليل عليه قوله : وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الأنبياء : ٤٧] وقال في هذه الآية : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وعلى هذا فلا يبعد ان يكون لأفعال القلوب ميزان ولأفعال الجوارح ميزان ولما يتعلق بالقول ميزان آخر. قال الزجاج : انما جمع اللّه الموازين هاهنا فقال : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ولم يقل ميزانه لوجهين : الاول : ان العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد فيقولون : خرج فلان إلى مكة على البغال. والثاني : ان المراد من الموازين هاهنا جمع موزون لا جمع ميزان وأراد بالموازين الأعمال الموزونة ولقائل ان يقول هذان الوجهان يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ وذلك انما يصار اليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره ولا مانع هاهنا منه فوجب اجراء اللفظ على حقيقته فكما لم يمتنع اثبات ميزان له لسان وكفتان فكذلك لا يمتنع اثبات موازين بهذه الصفة فما الموجب لترك الظاهر والمصير إلى التأويل.
واما قوله تعالى : وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ.
اعلم ان هذه الآية فيها مسائل :
المسألة الاولى : انها تدل على ان اهل القيامة فريقان منهم من يزيد حسناته على سيئاته ومنهم من يزيد سيئاته على حسناته فاما القسم الثالث : وهو الذي تكون حسناته وسيئاته متعادلة متساوية / فانه غير موجود.
المسألة الثانية : قال اكثر المفسرين المراد من قوله : وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ الكافر والدليل عليه القرآن والخبر والأثر. اما القرآن فقوله تعالى : فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ ولا معنى


الصفحة التالية
Icon