مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٠٤
لكون الإنسان ظالما بآيات اللّه الا كونه كافرا بها منكرا لها فدل هذا على ان المراد من هذه الآية اهل الكفر واما الخبر فما
روي انه إذا خفت حسنات المؤمن اخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من حجرته بطاقة كالانملة فيلقيها في كفة الميزان اليمنى التي فيها حسناته فترجح الحسنات فيقول ذلك العبد المؤمن للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بابي أنت وامي ما احسن وجهك واحسن خلقك فمن أنت؟ فيقول :«انا نبيك محمد وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي قد وفيتك أحوج ما تكون إليها» وهذا الخبر رواه الواحدي في «البسيط»
واما
جمهور العلماء فرووا هاهنا الخبر الذي ذكرناه من انه تعالى يلقي في كفة الحسنات الكتاب المشتمل على شهادة ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه.
قال القاضي : يجب ان يحمل هذا على انه اتى بالشهادتين بحقهما من العبادات لأنه لو لم يعتبر ذلك لكان من اتى بالشهادتين يعلم ان المعاصي لا تضره وذلك إغراء بمعصية اللّه تعالى.
ولقائل ان يقول : العقل يدل على صحة ما دل عليه هذا الخبر وذلك ان العمل كلما كان. اشرف وأعلى درجة وجب ان يكون اكثر ثوابا ومعلوم ان معرفة اللّه تعالى ومحبته أعلى شأنا وأعظم درجة من سائر الأعمال فوجب ان يكون اوفى ثوابا وأعلى درجة من سائر الأعمال. واما الأثر فلان ابن عباس واكثر المفسرين حملوا هذه الآية على اهل الكفر.
وإذا ثبت هذا الأصل فنقول : ان المرجئة الذين يقولون المعصية لا تضر مع الايمان تمسكوا بهذه الآية وقالوا انه تعالى حصر اهل موقف القيامة في قسمين : أحدهما : الذين رجحت كفة حسناتهم وحكم عليهم بالفلاح. والثاني : الذين رجحت كفة سيئاتهم وحكم عليهم بأنهم اهل الكفر الذين كانوا يظلمون بآيات اللّه وذلك يدل على ان المؤمن لا يعاقب البتة. ونحن نقول في الجواب : أقصى ما في الباب انه تعالى لم يذكر هذا القسم الثالث في هذه الآية الا انه تعالى ذكره في سائر الآيات فقال : وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء :
١١٦] والمنطوق راجح على المفهوم فوجب المصير إلى إثباته وايضا فقال تعالى في هذا القسم : فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ونحن نسلم ان هذا لا يليق الا بالكافر واما العاصي المؤمن فانه يعذب أياما ثم يعفى عنه ويتخلص إلى رحمة اللّه تعالى فهو في الحقيقة ما خسر نفسه بل فاز برحمة اللّه ابد الآباد من غير زوال وانقطاع. واللّه اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠)
في الآية مسائل :
المسألة الاولى : اعلم انه تعالى لما امر الخلق بمتابعة الأنبياء عليهم السلام وبقبول دعوتهم ثم خوفهم بعذاب الدنيا وهو قوله : وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الأعراف : ٤] ثم خوفهم بعذاب الآخرة من وجهين :
أحدهما : السؤال وهو قوله : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ [الأعراف : ٦] والثاني : بوزن الأعمال وهو قوله : وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف : ٨] رغبهم في قبول دعوة الأنبياء عليهم السلام في هذه الآية بطريق آخر وهو انه كثرت نعم اللّه عليهم وكثرة النعم توجب الطاعة فقال : وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ فقوله : مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اي جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا ومكناكم فيها واقدرناكم على التصرف فيها وجعلنا لكم فيها معايش والمراد من المعايش : وجوه المنافع وهي على قسمين منها ما يحصل بخلق اللّه تعالى ابتداء مثل خلق السماء وغيرها ومنها ما يحصل بالاكتساب وكلاهما في الحقيقة انما حصل


الصفحة التالية
Icon