مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٠٥
بفضل اللّه واقداره وتمكينه فيكون الكل انعاما من اللّه تعالى وكثرة الانعام لا شك انها توجب الطاعة والانقياد ثم بين تعالى انه مع هذا الإفضال والانعام عالم بأنهم لا يقومون بشكره كما ينبغي فقال قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ وهذا يدل على انهم قد يشكرون والأمر كذلك وذلك لان الإقرار بوجود الصانع كالامر الضروري اللازم لجبلة عقل كل عاقل ونعم اللّه على الإنسان كثيرة فلا انسان الا ويشكر اللّه تعالى في بعض الأوقات على نعمه انما التفاوت في ان بعضهم قد يكون كثير الشكر وبعضهم يكون قليل الشكر وبعضهم يكون قليل الشكر.
المسألة الثانية : روى خارجة عن نافع انه همز معائش قال الزجاج : جميع النحويين البصريين يزعمون ان همز معائش خطا وذكروا انه انما يجوز جعل الياء همزة إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف فاما معايش فمن العيش والياء اصلية وقراءة نافع لا اعرف لها وجها الا ان لفظة هذه الياء التي هي من نفس الكلمة اسكن في معيشة فصارت هذه الكلمة مشابهة لقولنا صحيفة فجعل قوله : مَعايِشَ شبيها لقولنا صحائف فكما ادخلوا الهمزة في قولنا :- صحائف- فكذا في قولنا معائش على سبيل التشبيهة الا ان الفرق ما ذكرناه ان الياء في- معيشة اصلية وفي- صحفيفة زائدة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١]
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
وفي الآية مسائل :
المسألة الاولى : اعلم انه تعالى رغب الأمم في قبول دعوة الأنبياء عليهم السلام بالتخويف أولا ثم بالترغيب ثانيا على ما بيناه والترغيب انما كان لأجل التنبيه على كثرة نعم اللّه تعالى على الخلق فبدا في شرح تلك النعم بقوله : وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ [الأعراف : ١٠] ثم اتبعه بذكر انه خلق أبانا آدم وجعله مسجودا للملائكة والانعام على الأب يجري مجرى الانعام على الابن فهذا هو وجه النظم في هذه الآيات ونظيره انه تعالى قال في أول سورة البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [البقرة :
٢٨] فمنع تعالى من المعصية بقوله : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وعلل ذلك المنع بكثرة نعمه على الخلق وهو انهم في الأرض مسجودا للملائكة والمقصود من الكل تقرير ان مع هذه النعم العظيمة لا يليق بهم التمرد والجحود فكذا في هذه السورة ذكر تعالى عين هذا المعنى بغير هذا الترتيب فهذا بيان وجه النظم على احسن الوجوه :
المسألة الثانية : اعلم انه تعالى ذكر قصة آدم عليه السلام مع قصة إبليس في القرآن في سبعة مواضع :
أولها : في سورة البقرة وثانيها : في هذه السورة وثالثها : في سورة الحجر ورابعها : في سورة بني اسرائيل وخامسها : في سورة الكهف وسادسها : في سورة طه وسابعها : في سورة ص.
إذا عرفت هذا فنقول : في هذه الآية سؤال وهو ان قوله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ يفيد ان المخاطب بهذا الخطاب نحن.
ثم قال بعده : ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ وكلمة (ثم) تفيد التراخي فظاهر الآية يقتضي ان امر الملائكة بالسجود لآدم وقع بعد خلقنا وتصويرنا ومعلوم انه ليس الأمر كذلك فلهذا السبب اختلف الناس في


الصفحة التالية
Icon