مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٠٧
مأمورا مع الملائكة استثناه اللّه تعالى، وكان اسم إبليس شيئا آخر، فلما عصى اللّه تعالى سماه بذلك وكان مؤمنا عابدا في السماء حتى عصى ربه فأهبط إلى الأرض.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢]
قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم ان هذه الآية تدل على انه تعالى لما امر الملائكة بالسجود فإن ذلك الأمر قد تناول إبليس، وظاهر هذا يدل على ان إبليس كان من الملائكة، الا ان الدلائل التي ذكرناها تدل على ان الأمر ليس كذلك واما الاستثناء فقد أجبنا عنه في سورة البقرة.
المسألة الثانية : ظاهر الآية يقتضي انه تعالى، طلب من إبليس ما منعه من ترك السجود، وليس الأمر كذلك فإن المقصود طلب ما منعه من السجود، ولهذا الأشكال حصل في الآية قولان :
القول الأول : وهو المشهور ان كلمة (لا) صلة زائدة، والتقدير : ما منعك ان تسجد؟ وله نظائر في القرآن كقوله : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ [القيامة : ١] معناه : اقسم. وقوله : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء : ٩٥] اي يرجعون. وقوله : لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد : ٢٩]. اي ليعلم اهل الكتاب وهذا قول الكسائي، والفراء، والزجاج، والأكثرين.
والقول الثاني : ان كلمة (لا) هاهنا مفيدة وليست لغوا وهذا هو الصحيح، لأن الحكم / بأن كلمة من كتاب اللّه لغو لا فائدة فيها مشكل صعب، وعلى هذا القول ففي تأويل الآية وجهان : الأول : ان يكون التقدير : اي شيء منعك عن ترك السجود؟ ويكون هذا الاستفهام على سبيل الإنكار ومعناه : انه ما منعك عن ترك السجود؟ كقول القائل لمن ضربه ظلما : ما الذي منعك من ضربي، ا دينك، أم عقلك، أم حياؤك؟! والمعنى :
انه لم يوجد احد هذه الأمور، وما امتنعت من ضربي. الثاني : قال القاضي : ذكر اللّه المنع وأراد الداعي فكأنه قال : ما دعاك اللّه إلى ان لا تسجد؟ لأن مخالفة امر اللّه تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل عن الداعي إليها.
المسألة الثالثة : احتج العلماء بهذه الآية على ان صيغة الأمر تفيد الوجوب، فقالوا : انه تعالى ذم إبليس بهذه الآية على ترك ما امر به ولو لم يفد الأمر الوجوب لما كان مجرد ترك المأمور به موجبا للذم فإن قالوا : هب ان هذه الآية تدل على ان ذلك الأمر كان يفيد الوجوب، فلعل تلك الصيغة في ذلك الأمر كانت تفيد الوجوب فلم قلتم ان جميع الصيغ يجب ان تكون كذلك؟
قلنا : قوله تعالى : ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ يفيد تعليل ذلك الذم بمجرد ترك الأمر، لأن قوله :
إِذْ أَمَرْتُكَ مذكور في معرض التعليل، والمذكور في قوله : إِذْ أَمَرْتُكَ هو الأمر من حيث انه امر لا كونه امرا مخصوصا في صورة مخصوصة، وإذا كان كذلك، وجب ان يكون ترك الأمر من حيث انه امر موجبا للذم، وذلك يفيد ان كل امر فإنه يقتضي الوجوب وهو المطلوب.
المسألة الرابعة : احتج من زعم ان الأمر يفيد الفور بهذه الآية قال : انه تعالى ذم إبليس على ترك السجود


الصفحة التالية
Icon