مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٠٩
يجوز وايضا ففي الآية دلالة على صحة هذه المسألة من وجه آخر وذلك لان إبليس لما ذكر هذا القياس قال تعالى : فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها [الأعراف : ١٣] فوصف تعالى إبليس بكونه متكبرا بعد ان حكى عنه ذلك القياس الذي يوجب تخصيص النص وهذا يقتضي ان من حاول تخصيص عموم النص بالقياس تكبر على اللّه ولما دلت هذه الآية على ان تخصيص عموم النص بالقياس تكبر على اللّه ودلت هذه الآية على ان التكبر على اللّه يوجب العقاب الشديد والإخراج من زمرة الأولياء والإدخال في زمرة الملعونين ثبت ان تخصيص النص بالقياس لا يجوز وهذا هو المراد مما نقله الواحدي في «البسيط» عن ابن عباس انه قال :
كانت الطاعة اولى بإبليس من القياس فعصى ربه وقاس وأول من قاس إبليس فكفر بقياسه فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه اللّه مع إبليس. هذا جملة الألفاظ التي نقلها الواحدي في «البسيط» عن ابن عباس.
فان قيل : القياس الذي يبطل النص بالكلية باطل.
اما القياس الذي يخصص النص في بعض الصور فلم قلتم انه باطل؟ وتقريره انه لو قبح امر من كان مخلوقا من النار بالسجود لمن كان مخلوقا من الأرض لكان قبح امر من كان مخلوقا من النور المحض بالسجود لمن كان مخلوقا من الأرض اولى وأقوى لان النور اشرف من النار وهذا القياس يقتضي ان يقبح امر احد من الملائكة بالسجود لآدم فهذا القياس يقتضي رفع مدلول النص بالكلية وانه باطل.
واما القياس الذي يقتضي تخصيص مدلول النص العام لم قلتم : انه باطل؟ فهذا سؤال حسن أوردته على هذه الطريقة وما رأيت أحدا ذكر هذا السؤال ويمكن ان يجاب عنه فيقال : ان كونه اشرف من غيره يقتضي قبح امر من لا يرضى ان يلجأ إلى خدمة الأدنى الأدون اما لو رضي ذلك الشريف بتلك الخدمة لم يقبح لأنه لا اعتراض عليه في انه يسقط حق نفسه اما الملائكة فقد رضوا بذلك فلا بأس به واما إبليس فانه لم يرض بإسقاط هذا الحق فوجب ان يقبح امره بذلك السجود فهذا قياس مناسب وانه يوجب تخصيص النص ولا يوجب رفعه بالكلية ولا إبطاله فلو كان تخصيص النص بالقياس جائزا لما استوجب الذم العظيم فلما استوجب استحقاق هذا الذم العظيم في حقه علمنا ان ذلك انما كان لأجل ان تخصيص النص بالقياس غير جائز واللّه اعلم.
المسألة السابعة : قوله تعالى : ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ لا شك ان قائل هذا القول هو اللّه لان قوله : إِذْ أَمَرْتُكَ لا يليق الا باللّه سبحانه.
واما قوله : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ فلا شك ان قائل هذا القول هو إبليس.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣]
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)
واما قوله : قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فلا شك ان قائل هذا القول هو اللّه تعالى ومثل هذه المناظرة بين اللّه سبحانه وبين إبليس مذكور في سورة ص على سبيل الاستقصاء إذا ثبت هذا فنقول : انه لم يتفق لاحد من أكابر الأنبياء عليهم السلام مكالمة مع اللّه مثل ما اتفق لإبليس وقد عظم اللّه تشريف موسى بأن كلمة حيث قال : وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف : ١٤٣] وقال : وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء : ١٦٤] فان كانت هذه المكالمة تفيد الشرف العظيم فكيف حصلت


الصفحة التالية
Icon