مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢١٠
على أعظم الوجوه لإبليس؟ وان لم توجب الشرف العظيم فكيف ذكره اللّه تعالى في معرض التشريف الكامل لموسى عليه السلام؟
والجواب : ان بعض العلماء قال : انه تعالى قال لإبليس على لسان من يؤدي اليه من الملائكة ما منعك من السجود؟ ولم يسلم انه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة. قالوا : لأنه ثبت ان غير الأنبياء لا يخاطبهم اللّه تعالى الا بواسطة ومنهم من قال : انه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة ولكن على وجه الاهانة بدليل انه تعالى قال له : فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ وتكلم مع موسى ومع سائر الأنبياء عليهم السلام على سبيل الإكرام الا ترى انه تعالى قال لموسى : وَأَنَا اخْتَرْتُكَ طه : ١٣ وقال له : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه : ٤١] وهذا نهاية الإكرام.
المسألة الثامنة : قوله تعالى : فَاهْبِطْ مِنْها قال ابن عباس : يريد من الجنة وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم. وقال بعض المعتزلة : انه انما امر بالهبوط من السماء وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في سورة البقرة. فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها اي في السماء. قال ابن عباس : يريد ان اهل السموات ملائكة متواضعون خاشعون فاخرج انك من الصاغرين والصغار الذلة. قال الزجاج : ان إبليس طلب التكبر فابتلاه اللّه تعالى بالذلة والصغار تنبيها على صحة ما
قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم :«من تواضع للّه رفعه اللّه ومن تكبر وضعه اللّه»
وقال بعضهم : لما اظهر الاستكبار البس الصغار. واللّه اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤ إلى ١٧]
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)
[قوله تعالى قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ إلى قوله صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ] في الآية مسائل :
المسألة الاولى : قوله تعالى : قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يدل على انه طلب الانظار من اللّه تعالى إلى وقت البعث وهو وقت النفخة الثانية حين يقوم الناس لرب العالمين ومقصوده انه لا يذوق الموت فلم يعطه اللّه تعالى ذلك بل قال انك من المنظرين ثم هاهنا قولان : الاول : انه تعالى انظره إلى النفخة الاولى لأنه تعالى قال في آية اخرى : فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر : ٣٧ ٣٨] والمراد منه اليوم الذي يموت فيه الأحياء كلهم وقال آخرون : لم يوقت اللّه له أجلا بل قال : إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ وقوله في الاخرى : إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ المراد منه الوقت المعلوم في علم اللّه تعالى. قالوا : والدليل على صحة هذا القول ان إبليس كان مكلفا والمكلف لا يجوز ان يعلم ان اللّه تعالى أخر اجله إلى الوقت الفلاني لان ذلك المكلف يعلم انه متى تاب قبلت توبته فإذا علم ان وقت موته هو الوقت الفلاني اقدم على المعصية بقلب فارغ فإذا قرب وقت اجله تاب عن تلك المعاصي فثبت ان تعريف وقت الموت بعينه يجري مجرى الإغراء بالقبيح وذلك غير جائز على اللّه تعالى.
وأجاب الأولون : بأن تعريف اللّه عز وجل كونه من المنظرين إلى يوم القيامة لا يقتضي اغراءه بالقبيح لأنه


الصفحة التالية
Icon