مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢١٤
كانت الدنيا خلفهم لأنهم يخلفونها. وثالثها : وهو قول الحاكم والسدي مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني الدنيا وَمِنْ خَلْفِهِمْ الآخرة وانما فسرنا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ بالدنيا لأنها بين يدي الإنسان يسعى فيها ويشاهدها واما الآخرة فهي تأتي بعد ذلك ورابعها : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ في تكذيب الأنبياء والرسل الذين يكونون حاضرين وَمِنْ خَلْفِهِمْ في تكذيب من تقدم من الأنبياء والرسل.
واما قوله : وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ففيه وجوه : أحدها : عَنْ أَيْمانِهِمْ في الكفر والبدعة وَعَنْ شَمائِلِهِمْ في انواع المعاصي وثانيها : عَنْ أَيْمانِهِمْ في الصرف عن الحق وَعَنْ شَمائِلِهِمْ في الترغيب في الباطل وثالثها : عَنْ أَيْمانِهِمْ يعني افترهم عن الحسنات / والشمائل عن السيئات قول حسن لان قال ابن الأنباري : وقول من قال الايمان كناية عن الحسنات / والشمائل عن السيئات قول حسن لان العرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك يريد اجعلني من المقدمين عندك ولا تجعلني من المؤخرين وروى ابو عبيد عن الأصمعي انه يقال : هو عندنا باليمين اي بمنزلة حسنة وإذا خبثت منزلته قال :
أنت عندي بالشمال فهذا تلخيص ما ذكره المفسرون في تفسير هذه الجهات الأربع اما حكماء الإسلام فقد ذكروا فيها وجوها أخرى أولها : وهو الأقوى الأشرف ان في البدن قوى أربعا هي الموجبة لقوات السعادات الروحانية فإحداها : القوة الخالية التي يجتمع فيها مثل المحسوسات وصورها وهي موضوعة في البطن المقدم من الدماغ وصور المحسوسات انما ترد عليها من مقدمها واليه الإشارة بقوله : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ.
والقوة الثانية : القوة الوهمية التي تحكم في غير المحسوسات بالاحكام المناسبة للمحسوسات وهي موضوعة في البطن المؤخر من الدماغ وإليها الإشارة بقوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ.
والقوة الثالثة : الشهوة وهي موضوعة في الكبد وهي من يمين البدن.
والقوة الرابعة : الغضب وهو موضوع في البطن الأيسر من القلب فهذه القوى الأربع هي التي تتولد عنها احوال توجب زوال السعادات الروحانية والشياطين الخارجة ما لم تستعن بشيء من هذه القوى الأربع لم تقدر على إلقاء الوسوسة فهذا هو السبب في تعيين هذه الجهات الأربع وهو وجه حقيقي شريف وثانيها : ان قوله : لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ المراد منه الشبهات المبنية على التشبيه اما في الذات والصفات مثل شبه المجسمة واما الأفعال : مثل شبه المعتزلة في التعديل والتخويف والتحسين والتقبيح وَمِنْ خَلْفِهِمْ المراد منه الشبهات الناشئة عن التعطيل وانما جعلنا قوله : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ لشبهات التشبيه لان الإنسان يشاهد هذه الجسمانيات وأحوالها فهي حاضرة بين يديه فيعتقد ان الغائب يجب ان يكون مساويا لهذا الشاهد وانما جعلنا قوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ كناية عن التعطيل لان التشبيه عين التعطيل فلما جعلنا قوله : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ كناية عن التشبيه وجب ان نجعل قوله : وَمِنْ خَلْفِهِمْ كناية عن التعطيل واما قوله وَعَنْ أَيْمانِهِمْ فالمراد منه الترغيب في ترك المأمورات وَعَنْ شَمائِلِهِمْ الترغيب في فعل المنهيات وثالثها : نقل عن شقيق رحمه اللّه انه قال : ما من صباح الا وياتيني الشيطان من الجهات الأربع من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي اما من بين يدي فيقول : لا تخف فان اللّه غفور رحيم فاقرأ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [طه : ٨٢] واما من خلفي : فيخوفني من وقوع اولادي في الفقر فاقرأ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود : ٦] واما من قبل يميني فياتيني من قبل الثناء فاقرأ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص :


الصفحة التالية
Icon