مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢١٨
المواظبة والمداومة على هذا التمويه اثر كلامه في آدم عليه السلام.
السؤال الثالث : لم قال : فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ والجواب : معنى وسوس له اي فعل الوسوسة لأجله واللّه اعلم اما قوله تعالى : لِيُبْدِيَ لَهُما في هذا اللام قولان : أحدهما : انه لام العاقبة كما في قوله : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص : ٨] وذلك لان الشيطان لم يقصد بالوسوسة ظهور عورتهما ولم يعلم انهما ان اكلا من الشجرة بدت عوراتهما وانما كان قصده ان يحملها على المعصية فقط الثاني : لا يبعد ايضا ان يقال : انه لام الغرض ثم فيه وجهان : أحدهما : ان يجعل بدو العورة كناية عن سقوط الحرمة وزوال الجاه والمعني : ان غرضه من إلقاء تلك الوسوسة إلى آدم زوال حرمته وذهاب منصبه والثاني : لعله رأى في اللوح المحفوظ او سمع من بعض الملائكة انه إذا أكل من الشجرة بدت عورته وذلك يدل على نهاية الضرر وسقوط الحرمة فكان يوسوس اليه لحصول هذا الغرض وقوله : ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما فيه مباحث :
البحث الاول : ما وري مأخوذ من المواراة يقال :: وأريته اي سترته قال تعالى : يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة : ٣١] وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي لما أخبره بوفاة أبيه :«اذهب فواره».
البحث الثاني : السوأة فرج الرجل والمرأة وذلك لان ظهوره يسوء الإنسان قال ابن عباس رضي اللّه عنهما كأنهما قد البسا ثوبا يستر عورتهما فلما عصيا زال عنهما ذلك الثوب فذلك قوله تعالى : فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما.
البحث الثالث : دلت هذه الآية على ان كشف العورة من المنكرات وانه لم يزل مستهجنا / في الطباع مستقبحا في العقول وقوله : ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ يمكن ان يكون هذا الكلام ذكره إبليس بحيث خاطب به آدم وحواء ويمكن ايضا ان يكون وسوسة أوقعها في قلوبهما والأمران ومرويان الا ان الأغلب انه كان ذلك على سبيل المخاطبة بدليل قوله تعالى : وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ومعنى الكلام ان إبليس قال لهما في الوسوسة الا ان تكون ملكين واراده به ان تكونا بمنزلة الملائكة ان أكلتما منها او تكونا من الخالدين ان أكلتما فرغبهما بان أوهمهما ان من أكلها صار كذلك وانه تعالى انما نهاهما عنها لكي لا يكونا بمنزلة الملائكة ولا يخلدا وفي الآية سؤالات :
السؤال الاول : كيف أطمع إبليس آدم في ان يكون ملكا عند الاكل من الشجرة مع انه شاهد الملائكة متواضعين ساجدين له معترفين بفضله والجواب من وجوه الأول : ان هذا المعنى احد ما يدل على ان الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض اما الملائكة السموات وسكان العرش والكرسي والملائكة المقربون فما سجدوا البتة لآدم ولو كانوا سجدوا له لكان هذا التطميع فاسدا مختلا وثانيها : نقل الواحدي عن بعضهم انه قال : ان آدم علم ان الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة ولم يعلم ذلك لنفسه فعرض عليه إبليس ان يصير مثل الملك في البقاء وأقول : هذا الجواب ضعيف لان على هذا التقدير المطلوب من الملائكة هو الخلود وحينئذ لا يبقى فرق بين قوله : أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ وبين قوله : أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.


الصفحة التالية
Icon