مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢١٩
والوجه الثاني : قال الواحدي : كان ابن عباس يقرا مَلَكَيْنِ ويقول : ما طمعا في ان يكونا ملكين لكنهما استشرفا إلى ان يكونا ملكين وانما أتاهما الملعون من جهة الملك ويدل على هذا قوله : هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى [طه : ١٢٠] وأقول هذا الجواب ايضا ضعيف وبيانه من وجهين : الاول : هب انه حصل الجواب على هذه القراءة : فهل يقول ابن عباس ان تلك القراءة المشهورة باطلة او لا يقول ذلك؟
والاول باطل لان تلك القراءة قراءة متواترة فكيف يمكن الطعن فيها واما الثاني : فعلى هذا التقدير الأشكال باق لان على تلك القراءة يكون بالتطميع قد وقع في ان يصير بواسطة ذلك الاكل من جملة الملائكة وحينئذ يعود السؤال.
والوجه الثاني : انه تعالى جعل سجود الملائكة والخلق له في ان يسكن الجنة وان يأكل منها رغدا كيف شاء وأراد ولا مزيد في الملك على هذه الدرجة.
السؤال الثاني : هل تدل هذه الآية على ان درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النبوة.
والجواب من وجوه : الاول : انا إذا قلنا ان هذه الواقعة كانت قبل النبوة لم يدل على ذلك / ولان آدم حين طلب الوصول إلى درجة الملائكة ما كان من الأنبياء وعلى هذا التقدير فزال الاستدلال والثاني : ان بتقدير «ان» تكون هذه الواقعة وقعت في زمان النبوة فلعل آدم عليه السلام رغب في ان يصير من الملائكة في القدرة والقوة والشدّة او في خلقة اللذات بان يصير جوهرا نورانيا وفي ان يصير من سكان العرش والكرسي وعلى هذا التقدير يسقط الاستدلال.
السؤال الثالث : نقل ان عمرو بن عبيد قال للحسن في قوله : إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وفي قوله : وَقاسَمَهُما قال عمرو قلت للحسن : فهل صدقاه في ذلك فقال الحسن معاذ اللّه لو صدقاه لكانا من الكافرين ووجه السؤال : انه كيف يلزم هذا التكفير بتقدير ان يصدقا إبليس في ذلك القول والجواب : ذكروا في تقرير ذلك التكفير انه عليه السلام لو صدق إبليس في الخلود لكان ذلك يوجب انكار البعث والقيامة وانه كفر ولقائل ان يقول : لا نسلم انه يلزم من ذلك التصديق حصول الكفر؟ وبيانه من وجهين : الاول : ان لفظ الخلود محمول على طول المكث لا على الدوام وعلى هذا الوجه يندفع ما ذكروه.
الوجه الثاني : هب ان الخلود مفسر بالدوام الا انا نسلم ان اعتقاد الدوام يوجب الكفر وتقريره ان العلم بانه تعالى هل يميت هذا المكلف او لا يميته علم لا يحصل الا من دليل السمع فلعله تعالى ما بين في وقت آدم عليه السلام انه يميت الخلق ولما لم يوجد ذلك الدليل السمعي كان آدم عليه السلام يجوز دوام البقاء فلهذا السبب رغب فيه وعلى هذا التقدير : فالتكفير غير لازم.
السؤال الرابع : ثبت بما سبق ان آدم وحواء لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكفيرهما فهل يقولون انهما صدقاه فيه قطعا؟ وان لم يحصل القطع فهل يقولون انهما ظنا ان الأمر كما قال؟ او ينكرون هذا الظن ايضا والجواب : ان المحققين أنكروا حصول هذا التصديق قطعا وظنّا بل الصواب انما اقدما على الاكل لغلبة الشهوة لا انهما صدقاه علما او ظنا كما نجد أنفسنا عند الشهوة نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه وان لم نعتقد ان الأمر كما قال.


الصفحة التالية
Icon