مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٢٠
السؤال الخامس : قوله : إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ هذا الترغيب والتطميع وقع في مجموع الأمرين او في أحدهما.
والجواب : قال بعضهم : الترغيب كان في مجموع الأمرين لأنه ادخل في الترغيب وقيل : بل هو على ظاهره على طريقة التخيير.
ثم قال تعالى : وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ اي واقسم لهما اني لكما لمن الناصحين.
فان قيل : المقاسمة ان تقسم لصاحبك ويقسم لك تقول : قاسمت فلانا اي حالفته وتقاسما تحالفا ومنه قوله تعالى : تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ [النمل : ٤٩].
قلنا : فيه وجوه : الاول : التقدير انه قال : اقسم لكما اني لكما لمن الناصحين وقالا له : أتقسم باللّه انك لمن الناصحين؟ فجعل ذلك مقاسمة بينهم والثاني : اقسم لهما بالنصيحة واقسما له بقبولها الثالث : انه اخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.
إذا عرفت هذا فنقول : قال قتادة : حلف لهما باللّه حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن باللّه وقوله : إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ اي قال إبليس : اني خلقت قبلكما وانا اعلم أحوالا كثيرة من المصالح والمفاسد لا تعرفانها فامتثلا قولي ارشد كما.
ثم قال تعالى : فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ وذكر ابو منصور الازهري لهذه الكلمة اصلين : أحدهما : اصل الرجل العطشان يدلي رجليه في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه فيقال : دلاه إذا أطمعه الثاني : فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ اي اجراهما إبليس على أكل الشجرة بغرور والأصل فيه دللهما من الدل والدالة وهي الجراة.
إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس : فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ اي غرهما باليمين وكان آدم يظن ان أحدا لا يحلف باللّه كاذبا وعن ابن عمر رضي اللّه عنه : انه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة اعتقه فكان عبيده يفعلون ذلك طلبا للعتق فقيل له : انهم يخدعونك فقال : من خدعنا باللّه انخدعنا له.
ثم قال تعالى : فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ وذلك يدل على انهما تناولا اليسير قصدا إلى معرفة طعمه ولولا انه تعالى ذكر في آية اخرى انهما اكلا منها لكان ما في هذه الآية لا يدل على الاكل لان الذائق قد يكون ذائقا من دون أكل.
ثم قال تعالى : بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما اي ظهرت عوراتهما وزال النور عنهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ قال الزجاج : معنى طفق : أخذ في الفعل يَخْصِفانِ اي يجعلان ورقة على ورقة ومنه قيل للذي يرقع النعل خصاف وفيه دليل على ان كشف العورة قبيح من لدن آدم الا ترى انهما كيف بادرا إلى الستر لما تقرر في عقلهما من قبح كشف العورة وَناداهُما رَبُّهُما قال عطاء : بلغني : ان اللّه ناداهما أفرارا مني يا آدم قال بل حياء منك يا رب ما ظننت ان أحدا يقسم باسمك كاذبا ثم ناداه ربه اما خلقتك بيدي اما نفخت فيك من روحي اما أسجدت لك ملائكتي اما اسكنتك في جنتي في جواري!


الصفحة التالية
Icon