مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٢٢
لباسا يواري سوآتكم ولباسا يزينكم لان الزينة غرض صحيح كما قال : لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [النحل : ٨] وقال : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ [النحل : ٦].
البحث الثاني : روي عن عاصم رواية غير مشهورة ورياشا وهو مروي ايضا عن عثمان رضي الله عنه والباقون وَرِيشاً واختلفوا في الفرق بين الريش والرياش فقيل : رياش جمع ريش وكذياب وذيب وقداح وقدح وشعاب وشعب وقيل : هما واحد كلباس ولبس وجلال وجل روى ثعلب عن ابن الاعرابي قال :
كل شيء يعيش به الإنسان من متاع او مال او مأكول فهو ريش ورياش وقال ابن السكيت : الرياش مختص بالثياب والأثاث والريش قد يطلق على سائر الأموال وقوله تعالى : وَلِباسُ التَّقْوى فيه بحثان :
البحث الاول : قرا نافع وابن عامر والكسائي ولباس بالنصب عطفا على قوله : لِباساً والعامل فيه أَنْزَلْنا وعلى هذا التقدير فقوله : ذلِكَ مبتدا وقوله : خَيْرٌ خبره والباقون بالرفع وعلى هذا التقدير فقوله :
وَلِباسُ التَّقْوى مبتدا وقوله : ذلِكَ صفة او بدل او عطف بيان وقوله : خَيْرٌ خبر لقوله : وَلِباسُ التَّقْوى ومعنى قولنا صفة ان قوله : ذلِكَ أشير به إلى اللباس كأنه قيل ولباس التقوى المشار اليه خير.
البحث الثاني : اختلفوا في تفسير قوله : وَلِباسُ التَّقْوى والضابط فيه ان منهم من حمله على / نفس الملبوس ومنهم من حمله على غيره.
اما القول الاول : ففيه وجوه : أحدها : ان المراد ان اللباس الذي أنزله اللّه تعالى ليواري سوآتكم هو لباس التقوى وعلى هذا التقدير فلباس التقوي هو اللباس الاول وانما اعادة اللّه لأجل ان يخبر عنه بأنه خير لان جماعة من اهل الجاهلية كانوا يتعبدون بالتعري وخلع الثياب في الطواف بالبيت فجرى هذا في التكرير مجرى قول القائل : قد عرفتك الصدق في أبواب البر والصدق خير لك من غيره فيعيد ذكر الصدق ليخبر عنه بهذا المعنى. وثانيها : ان المراد من لباس التقوى ما يلبس من الدورع والجوشن والمغافر وغيرها مما يتقي به في الحروب وثالثها : المراد من لباس التقوى الملبوسات المعدة لأجل اقامة الصلوات والقول الثاني : ان يحمل قوله : وَلِباسُ التَّقْوى على المجازات ثم اختلفوا فقال قتادة والسدي وابن جريح : لباس التقوى الايمان. وقال ابن عباس : ولباس التقوى العمل الصالح وقيل هو السمت الحسن وقيل هو العفاف والتوحيد لان المؤمن لا تبدو عورته وان كان عاريا من الثياب والفاجر لا تزال عورته مكشوفة وان كان كاسيا وقال معبد هو الحياء. وقيل هو ما يظهر على الإنسان من السكينة والإخبات والعمل الصالح وانما حملنا لفظ اللباس على هذه المجازات لان اللباس الذي يفيد التقوى ليس الا هذه الأشياء اما قوله :
ذلِكَ خَيْرٌ قال ابو علي الفارسي : معنى الآية ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به واقرب له إلى اللّه تعالى مما خلق من اللباس والرياش الذي يتجمل به. قال : وأضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف إلى الجوع في قوله : فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل : ١١٢] وقوله : ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ معناه من آيات اللّه الدالة على فضلة ورحمته على عباده يعني إنزال عليهم لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفون عظيم النعمة فيه.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)


الصفحة التالية
Icon