مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٢٨
الهدى والضلال ليسا الا من اللّه تعالى. والثاني : نقول هب ان المراد من الهداية والضلال حكم اللّه تعالى بذلك الا انه لما حصل هذا الحكم امتنع من العبد صدور غيره والا لزم انقلاب ذلك الحكم كذبا والكذب على اللّه محال والمفضي إلى المحال فكان صدور غير ذلك الفعل من العبد محالا وذلك يوجب فساد مذهب المعتزلة من هذا الوجه. واللّه اعلم.
البحث الثاني : انتصاب قوله : وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ بفعل يفسره ما بعده كأنه قيل : وخذل فريقا حق عليهم الضلالة ثم بين تعالى ان الذي لأجله حقت على هذه الفرقة الضلالة هو انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون اللّه فقبلوا ما دعوهم اليه ولم يتأملوا في التمييز بين الحق والباطل.
فإن قيل : كيف يستقيم هذا التفصيل مع قولكم بأن الهدى والضلال انما يحصل بخلق اللّه تعالى ابتداء.
فنقول : عندنا مجموع القدرة والداعي يوجب الفعل والداعية التي دعتهم إلى ذلك الفعل هي : انهم اتخذوا الشيطان اولياء من دون اللّه.
ثم قال تعالى : وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ قال ابن عباس : يريد ما بين لهم عمرو بن لحي وهذا بعيد / بل هو محمول على عمومه فكل من شرع في باطل فهو يستحق الذم والعذاب سواء حسب كونه حقا او لم يحسب ذلك وهذه الآية تدل على ان مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم والقطع واليقين لأنه تعالى عاب الكفار بأنهم يحسبون كونهم مهتدين ولولا ان هذا الحسبان مذموم والا لما ذمهم بذلك. واللّه اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣١ إلى ٣٢]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)
[في قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ] اعلم ان اللّه تعالى لما امر بالقسط في الآية الاولى وكان من جملة القسط امر اللباس وامر المأكول والمشروب لا جرم اتبعه بذكرهما وايضا لما امر بإقامة الصلاة في قوله : وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف : ٢٩] وكان ستر العورة شرطا لصحة الصلاة لا جرم اتبعه بذكر اللباس وفي الآية مسائل :
المسألة الاولى : قال ابن عباس : ان اهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال بالنهار والنساء بالليل وكانوا إذا وصلوا إلى مسجد منى طرحوا ثيابهم وأتوا المسجد عراة وقالوا : لا نطوف في ثياب أصبنا فيها الذنوب ومنهم من يقول : نفعل ذلك تفاؤلا حتى نتعرى عن الذنوب كما تعرينا عن الثياب وكانت المرأة منهم تتخذ سترا تعلقه على حقويها لتستتر به عن الحمس وهم قريش فإنهم كانوا لا يفعلون ذلك وكانوا يصلون في ثيابهم ولا يأكلون من الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما فقال المسلمون : يا رسول اللّه فنحن أحق ان نفعل ذلك فأنزل اللّه تعالى هذه الآية اي :«البسوا ثيابكم وكلوا اللحم والدسم واشربوا ولا تسرفوا».
المسألة الثانية : المراد من الزينة لبس الثياب والدليل عليه قوله تعالى : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور :
٣١] يعني الثياب وايضا فالزينة لا تحصل الا بالستر التام للعورات ولذلك صار التزيين بأجود الثياب في


الصفحة التالية
Icon