مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٣٢
المسألة الثانية : قرا نافع خالصة بالرفع والباقون بالنصب قال الزجاج : الرفع على انه خبر بعد خبر كما تقول : زيد عاقل لبيب والمعني : قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. قال ابو على : ويجوز ان يكون قوله : خالصة خبر المبتدا وقوله : لِلَّذِينَ آمَنُوا متعلقا بخالصة. والتقدير : هي خالصة للذين آمنوا في الحياة الدنيا واما القراءة بالنصب فعلى الحال والمعني : انها ثابتة للذين آمنوا في حال كونها خالصة لهم يوم القيامة.
ثم قال تعالى : كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ومعنى تفصيل الآيات قد سبق وقوله : لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اي لقوم يمكنهم النظر به والاستدلال حتى يتوصلوا به إلى تحصيل العلوم النظرية واللّه اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٣]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)
في الآية مسألتان :
المسألة الاولى : اسكن حمزة الياء من ربي والباقون فتحوها.
المسألة الثانية : اعلم انه تعالى لما بين في الآية الاولى ان الذي حرموه ليس بحرام بين في هذه الآية انواع المحرمات فحرم أولا الفواحش وثانيا الإثم واختلفوا في الفرق بينهما على وجوه : الاول : ان الفواحش عبارة عن الكبائر لأنه قد تفاحش قبحها اي تزايد والإثم عبارة عن الصغائر فكان معنى الآية : انه حرم الكبائر والصغائر وطعن القاضي فيه فقال هذا يقتضي ان يقال : الزنا والسرقة والكفر ليس بإثم وهو بعيد.
القول الثاني : ان الفاحشة اسم لا يجب فيه الحد والإثم اسم لما يجب فيه الحد وهذا وان كان مغايرا للأول الا انه قريب منه والسؤال فيه ما تقدم.
والقول الثالث : ان الفاحشة اسم للكبيرة والإثم اسم لمطلق الذنب سواء كان كبيرا او صغيرا. والفائدة فيه : انه تعالى لما حرم الكبيرة اردفها بتحريم مطلق الذنب لئلا يتوهم ان التحريم مقصود على الكبيرة وعلى هذا القول اختيار القاضي.
والقول الرابع : ان الفاحشة وان كانت بحسب اصل اللغة اسما لكل ما تفاحش وتزايد في امر من الأمور الا انه في العرف مخصوص بالزيادة. والدليل عليه انه تعالى قال في الزنا : إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً [الإسراء : ٣٢] ولان لفظ الفاحشة إذا اطلق لم يفهم منه الا ذلك وإذا قيل فلان فحاش : فهم انه يشتم الناس بألفاظ الوقاع فوجب حمل لفظ الفاحشة على الزنا فقط.
إذا ثبت هذا فنقول : في قوله : ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ على هذا التفسير وجهان : الاول : يريد سر الزنا وهو الذي يقع على سبيل العشق والمحبة وما ظهر منها بأن يقع علانية. والثاني : ان يراد بما ظهر من الزنا الملاسمة والمعانقة وَما بَطَنَ الدخول. واما الإثم فيجب تخصيصه بالخمر لأنه تعالى قال في صفة الخمر : وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة : ٢١٩] وبهذا التقدير فإنه يظهر الفرق بين اللفظين.
النوع الثالث : من المحرمات قوله : وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فنقول : اما الذين قالوا : المراد بالفواحش


الصفحة التالية
Icon