مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٣٨
الدخول في الأمم الدخول فيما بينهم وقوله : قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ اي تقدم زمانهم زمانكم وهذا يشعر بانه تعالى لا يدخل الكفار بأجمعهم في النار دفعة واحدة بل يدخل الفوج بعد الفوج فيكون فيهم سابق ومسبوق ليصح هذا القول ويشاهد الداخل من الامة في النار من سبقها وقوله : كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها والمقصود ان اهل النار يلعن بعضهم بعضا فيتبرأ بعضهم من بعض كما قال تعالى :
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف : ٦٧] والمراد بقوله : أُخْتَها اي في الدين والمعنى : ان المشركين يلعنون المشركين وكذلك اليهود تلعن اليهود والنصارى النصارى وكذا القول في المجوس والصابئة وسائر أديان الضلالة. وقوله : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً اي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار وادراك بعضهم بعضا واستقر معه قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ وفيه مسألتان :
المسألة الاولى : في تفسير الاولى والاخرى قولان : الاول : قال مقاتل أخراهم يعني آخرهم دخولا في النار لاولاهم دخولا فيها. والثاني : أخراهم منزلة وهم الاتباع والسفلة لاولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء.
المسألة الثانية :«اللام» في قوله : لِأُخْراهُمْ لام أجل والمعنى : لأجلهم ولإضلالهم إياهم قالوا رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا وليس المراد انهم ذكروا هذا القول لاولاهم لأنهم ما خاطبوا أولاهم وانما خاطبوا اللّه تعالى بهذا الكلام.
اما قوله تعالى : رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فالمعنى : ان الاتباع يقولون ان المتقدمين أضلونا واعلم ان هذا الإضلال يقع من المتقدمين للمتأخرين على وجهين : أحدهما : بالدعوة إلى الباطل وتزيينه في أعينهم والسعي في إخفاء الدلائل المبطلة لتلك الأباطيل.
والوجه الثاني : بان يكون المتأخرون معظمين لأولئك المتقدمين فيقلدونهم في تلك الأباطيل والأضاليل التي لفقوها ويتاسون بهم فيصير ذلك تشبيها باقدام أولئك المتقدمين على الإضلال.
[في قوله تعالى فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ] ثم حكى اللّه تعالى عن هؤلاء المتأخرين انهم يدعون على أولئك المتقدمين بمزيد العذاب وهو قوله :
فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ وفي الضعف قولان :
القول الاول : قال ابو عبيدة «الضعف» هو مثل الشيء مرة واحدة. وقال الشافعي رحمه اللّه : ما يقارب هذا فقال في رجل اوصى فقال اعطوا فلانا ضعف نصيب ولدي قال : يعطي مثله مرتين.
والقول الثاني : قال الازهري :«الضعف» في كلام العرب المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على المثلين وجائز في كلام العرب ان تقول : هذا ضعفه اي مثلاه وثلاثة أمثاله لان الضعف في الأصل زيادة غير محصورة والدليل عليه : قوله تعالى : فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا [سبا : ٣٧] ولم يرد به مثلا ولا مثلين بل اولى الأشياء به ان يجعل عشرة أمثاله لقوله تعالى : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الانعام :
١٦٠] فثبت ان اقل الضعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور إلى ما لا نهاية له.
واما مسالة الشافعي رحمه اللّه : فاعلم ان التركة متعلقة بحقوق الورثة الا انا لأجل الوصية صرفنا طائفة منها إلى الموصى له والقدر المتيقن في الوصية هو المثل والباقي مشكوك فلا جرم أخذنا المتيقن وطرحنا


الصفحة التالية
Icon