مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٥٠
ساوت طاعتهم باجهاد فهذا احد الأمور الداخلة تحت الوجه الاول وبتقدير ان يصح ذلك الوجه فلا معنى لتخصيص هذه الصورة وقصر لفظ الآية عليها.
والوجه الثالث : قال عبد اللّه بن الحرث : انهم مساكين اهل الجنة.
والوجه الرابع : قال قوم انهم الفساق من اهل الصلاة يعفو اللّه عنهم ويسكنهم في الأعراف فهذا كله شرح قول من يقول : الأعراف عبارة عن الأمكنة العالية على السور المضروب بين الجنة وبين النار. واما الذين يقولون الأعراف عبارة عن الرجال الذين يعرفون اهل الجنة واهل النار فهذا القول ايضا غير بعيد الا ان هؤلاء الأقوام لا بد لهم من مكان عال يشرفون منه على اهل الجنة واهل النار وحينئذ يعود هذا القول إلى القول الاول فهذه تفاصيل اقوال الناس في هذا الباب واللّه اعلم ثم انه تعالى اخبر ان اصحاب الأعراف يعرفون كلا من اهل الجنة واهل النار بسيماهم واختلفوا في المراد بقوله : بِسِيماهُمْ على وجوه.
فالقول الاول : وهو قول ابن عباس : ان سيما الرجل المسلم من اهل الجنة بياض وجهه كما قال تعالى :
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران : ١٠٦] وكون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة وكون كل واحد منهم أغر محجلا من آثار الوضوء وعلامة الكفار سواد وجوههم وكون وجوههم عليها غبرة ترهقها قترة وكون عيونهم زرقا.
ولقائل ان يقول : انهم لما شاهدوا اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار فاي حاجة إلى ان يستدل على كونهم من اهل الجنة بهذه العلامات؟ لان هذا يجري مجرى الاستدلال على ما علم وجوده بالحس وذلك باطل. وايضا فهذه الآية تدل على ان اصحاب الأعراف مختصون بهذه المعرفة ولو حملناه على هذا الوجه لم يبق هذا الاختصاص لان هذه الأحوال امور محسوسة فلا يختص بمعرفتها شخص دون شخص.
والقول الثاني : في تفسير هذه الآية ان اصحاب الأعراف كانوا يعرفون المؤمنين في الدنيا بظهور علامات الايمان والطاعات عليهم ويعرفون الكافرين في الدنيا ايضا بظهور علامات الكفر والفسق عليهم فإذا شاهدوا أولئك الأقوام في محفل القيامة ميزوا البعض عن البعض بتلك العلامات التي شاهدوها عليهم في الدنيا وهذا الوجه هو المختار.
اما قوله تعالى : وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فالمعنى انهم إذا نظروا إلى اهل الجنة سلموا على أهلها وعند هذا تم كلام اهل الأعراف.
ثم قال : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ والمعنى انه تعالى اخبر ان اهل الأعراف لم يدخلوا الجنة ومع ذلك فهم يطمعون في دخولها ثم ان قلنا ان اصحاب الأعراف هم الأشراف من اهل الجنة فقد ذكرنا انه تعالى انما أجلسهم على الأعراف وأخر ادخالهم الجنة ليطلعوا على احوال اهل الجنة والنار ثم انه تعالى ينقلهم إلى الدرجات العالية في الجنة كما
روي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم انه قال :«ان اهل الدرجات العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء وان أبا بكر وعمر منهم»
وتحقيق الكلام ان اصحاب الأعراف هم اشراف اهل القيامة فعند وقوف اهل القيامة في الموقف يجلس اللّه اهل الأعراف في الأعراف وهي المواضع العالية الشريفة فإذا ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نقلهم إلى الدرجات العالية في الجنة فهم ابدا لا يجلسون


الصفحة التالية
Icon