مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٥١
الا في الدرجات العالية. واما ان فسرنا اصحاب الأعراف بأنهم الذين يكونون في الدرجة النازلة من اهل النجاة قلنا انه تعالى يجلسهم في الأعراف وهم يطمعون من فضل اللّه وإحسانه ان ينقلهم من تلك المواضع إلى الجنة.
واما قوله تعالى : وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ فقال الواحدي رحمه اللّه التلقاء جهة اللقاء وهي جهة المقابلة ولذلك كان ظرفا من ظروف المكان يقال فلان تلقاءك كما يقال هو حذاءك وهو في الأصل مصدر استعمل ظرفا ثم نقل الواحدي رحمه اللّه باسناده عن ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين انهما قالا : لم يأت من المصادر على تفعال الا حرفان تبيان وتلقاء فإذا تركت هذين استوى ذلك القياس / فقلت في كل مصدر تفعال بفتح التاء مثل تسيار وترسال. وقلت في كل اسم تفعال بكسر التاء مثل تمثال وتقصار ومعنى الآية : انه كلما وقعت ابصار اصحاب الأعراف على اهل النار تضرعوا إلى اللّه تعالى في ان لا يجعلهم من زمرتهم. والمقصود من جميع هذه الآيات التخويف حتى يقدم المرء على النظر والاستدلال ولا يرضى بالتقليد ليفوز بالدين الحق فيصل بسببه إلى الثواب المذكور في هذه الآيات ويتخلص عن العقاب المذكور فيها.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٨ إلى ٤٩]
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)
اعلم انه تعالى لما بين بقوله : وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا [الأعراف : ٤٧] اتبعه ايضا بان اصحاب الأعراف ينادون رجالا من اهل النار واستغنى عن ذكر اهل النار لأجل ان الكلام المذكور لا يليق الا بهم وهو قولهم : ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ وذلك لا يليق الا بمن يبكت ويوبخ ولا يليق ايضا الا بأكابرهم والمراد بالجمع اما جمع المال واما الاجتماع والكثرة وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ والمراد : استكبارهم عن قبول الحق واستكبارهم على الناس المحقين. وقرئ تستكثرون من الكثرة وهذا كالدلالة على شماتة اصحاب الأعراف بوقوع أولئك المخاطبين في العقاب وعلى تبكيت عظيم يحصل لأولئك المخاطبين بسبب هذا الكلام ثم زادوا على هذا التبكيت وهو قولهم : أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ فأشاروا إلى فريق من اهل الجنة كانوا يستضعفونهم ويستقلون أحوالهم وربما هزؤا بهم وانفوا من مشاركتهم في دينهم فإذا رأى من كان يدعي التقدم حصول المنزلة العالية لمن كان مستضعفا عنده قلق لذلك وعظمت حسرته وندامته على ما كان منه في نفسه.
واما قوله تعالى : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فقد اختلفوا فيه فقيل هم اصحاب الأعراف واللّه تعالى يقول لهم ذلك او بعض الملائكة الذين يأمرهم اللّه تعالى بهذا القول. وقيل : بل يقول بعضهم لبعض / والمراد انه تعالى يحث اصحاب الأعراف بالدخول في الجنة واللحوق بالمنزلة التي أعدها اللّه تعالى لهم وعلى هذا التقدير فقوله : أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ من كلام اصحاب الأعراف. وقوله : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ من كلام اللّه تعالى ولا بد هاهنا من إضمار والتقدير : فقال اللّه لهم هذا كما قال : يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [الأعراف : ١١٠] وانقطع هاهنا كلام الملا. ثم قال فرعون : فَما ذا تَأْمُرُونَ [الأعراف : ١١٠] فاتصل كلامه بكلامهم من غير اظهار فارق فكذا هاهنا.


الصفحة التالية
Icon