مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٥٢
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٠ إلى ٥١]
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)
اعلم انه تعالى لما بين ما يقوله اصحاب الأعراف لأهل النار اتبعه بذكر ما يقوله اهل النار لأهل الجنة.
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : لما صار اصحاب الأعراف إلى الجنة طمع اهل النار بفرج بعد الياس فقالوا :
يا رب ان لنا قرابات من اهل الجنة فاذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فأمر اللّه الجنة فتزحزحت ثم نظر اهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم ونظر اهل الجنة إلى قراباتهم من اهل جهنم فلم يعرفوهم وقد اسودت وجوههم وصاروا خلقا آخر فنادى اصحاب النار اصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا :
أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ وانما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب بسبب شدة حر جهنم. وقوله : أَفِيضُوا كالدلالة على ان اهل الجنة أعلى مكانا من اهل النار.
فان قيل : اسألوا مع الرجاء والجواز ومع الياس؟
قلنا : ما حكيناه عن ابن عباس يدل على انهم طلبوا الماء مع جواز الحصول. وقال القاضي : بل مع الياس لأنهم قد عرفوا دوام عقابهم وانه لا يفتر عنهم ولكن الآيس من الشيء قد يطلبه كما / يقال في المثل :
الغريق يتعلق بالزبد وان علم انه لا يغيثه. وقوله : أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قيل انه الثمار وقيل انه الطعام وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد والجوع الشديد لهم عن ابي الدرداء ان اللّه تعالى يرسل على اهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم فيستغيثون فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة ثم يذكرون الشراب ويستغيثون فيدفع إليهم الحميم والصديد بكلاليب الحديد فيقطع ما في بطونهم ويستغيثون إلى اهل الجنة كما في هذه الآية فيقول اهل الجنة : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ويقولون لمالك : لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ [الزخرف : ٧٧] فيجيبهم على ما قيل بعد ألف عام ويقولون : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها [المؤمنون : ١٠٧] فيجيبهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون : ١٠٨] فعند ذلك ييأسون من كل خير ويأخذون في الزفير والشهيق.
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما : انه ذكر في صفة اهل الجنة انهم يرون اللّه عز وجل كل جمعة ولمنزل كل واحد منهم ألف باب فإذا رأوا اللّه تعالى دخل من كل باب ملك معه الهدايا الشريفة وقال : ان نخل الجنة خشبها الزمرد وترابها الذهب الأحمر وسعفها حلل وكسوة لأهل الجنة وثمرها أمثال القلال او الدلاء أشد بياضا من الفضة وألين من الزبد واحلى من العسل لا عجم له فهذا صفة اهل الجنة وصفة اهل النار ورأيت في بعض الكتب : ان قارئا قرا قوله تعالى حكاية عن الكفار : أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ في تذكرة الأستاذ ابي علي الدقاق فقال الأستاذ : هؤلاء كانت رغبتهم وشهوتهم في الدنيا في الشرب والاكل وفي الآخرة بقوا على هذه الحالة وذلك يدل على ان الرجل يموت على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ثم بين تعالى ان هؤلاء الكفار لما طلبوا الماء والطعام من اهل الجنة قال اهل الجنة إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ولا شك ان ذلك يفيد الخيبة التامة ثم انه تعالى وصف


الصفحة التالية
Icon