مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٥٣
هؤلاء الكفار بأنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وفيه وجهان :
الوجه الاول : ان الذي اعتقدوا فيه انه دينهم تلاعبوا به وما كانوا فيه مجدين.
والوجه الثاني : انهم اتخذوا اللهو واللعب دينا لأنفسهم قال ابن عباس رضي اللّه عنهما يريد المستهزئين المقتسمين. ثم قال : وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وهو مجاز لان الحياة الدنيا لا تغر في الحقيقة بل المراد انه حصل الغرور عند هذه الحياة الدنيا لان الإنسان يطمع في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال وقوة الجاه فلشدة رغبته في هذه الأشياء يصير محجوبا عن طلب الدين غرقا في طلب الدنيا ثم لما وصف اللّه تعالى أولئك الكفار بهذه الصفات قال : فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وفي تفسير هذا النسيان قولان :
القول الاوا : ان الجانب الذي صدق عليه كونه متناهيا غير ما صدق عليه كونه غير متناه والا لصدق النقيضان معا وهو محال. وإذا حصل التغاير لزم كونه تعالى مركبا من الاجزاء والأبعاض وثانيها : ان الجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه متناهيا اما ان يكون مساويا للجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه غير متناه واما ان لا يكون كذلك والاول باطل لان الأشياء المتساوية في تمام الماهية كل ما صح على واحد منها صح على الباقي وإذا كان كذلك : فالجانب للذي هو غير متناه يمكن ان يصير متناهيا والجانب الذي هو متناه يمكن ان يصير غير متناه ومتى كان الأمر كذلك كان النمو والذبول والزيادة والنقصان والتفرق والتمزق على ذاته ممكنا وكل ما كان كذلك فهو محدث وذلك على الإله القديم محال فثبت انه تعالى لو كان حاصلا في الحيز والجهة لكان اما ان يكون غير متناه من كل الجهات واما ان يكون متناهيا من كل الجهات او كان متناهيا من بعض الجهات، وغير متناه من سائر الجهات فثبت ان الأقسام الثلاثة باطلة فوجب ان نقول القول بكونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة محال.
والبرهان الثالث : لو كان الباري تعالى حاصلا في المكان والجهة لكان الأمر المسمى بالجهة اما ان يكون موجودا مشارا اليه واما ان لا يكون كذلك والقسمان باطلان فكان القول بكونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة باطلا.
أما بيان فساد القسم الاول : فلانة لو كان المسمى بالحيز والجهة موجودا مشارا اليه فحينئذ / يكون


الصفحة التالية
Icon