مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٦٠
المسمى بالحيز والجهة بعدا وامتداد والحاصل فيه ايضا يجب ان يكون له في نفسه بعد وامتداد والا لامتنع حصوله فيه وحينئذ يلزم تداخل البعدين وذلك محال للدلائل الكثيرة المشهورة في هذا الباب وايضا فيلزم من كون الباري تعالى قديما أزليا كون الحيز والجهة أزليين وحينئذ يلزم ان يكون قد حصل في الأزل موجود قائم بنفسه سوى اللَّه تعالى وذلك بإجماع اكثر العقلاء باطل.
واما بيان فساد القسم الثاني : فهو من وجهين : أحدهما : ان العدم نفي محض وعدم صرف وما كان كذلك امتنع كونه ظرفا لغيره وجهة لغيره. وثانيهما : ان كل ما كان حاصلا في جهة فجهته ممتازة في الحس عن جهة غيره فلو كانت تلك الجهة عدما محضا لزم كون العدم المحض مشارا اليه بالحس وذلك باطل فثبت انه تعالى لو كان حاصلا في حيز وجهة لافضى إلى احد هذين القسمين الباطلين فوجب ان يكون القول به باطلا.
فان قيل : فهذا ايضا وارد عليكم في قولكم : الجسم حاصل في الحيز والجهة.
فنقول : نحن على هذا الطريق لا نثبت للجسم حيزا ولا جهة أصلا البتة بحيث تكون ذات الجسم نافذة فيه وسارية فيه بل المكان عبارة عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي وهذا المعنى محال بالاتفاق في حق اللَّه تعالى فسقط هذا السؤال.
البرهان الرابع : لو امتنع وجود الباري تعالى الا بحيث يكون مختصا بالحيز والجهة لكانت ذات الباري مفتقرة في تحققها ووجودها إلى الغير وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته ينتج انه لو امتنع وجود الباري الا في الجهة والحيز لزم كونه ممكنا لذاته ولما كان هذا محالا كان القول بوجوب حصوله في الحيز محالا.
بيان المقام الاول : هو انه لما امتنع حصول ذات اللَّه تعالى الا إذا كان مختصا بالحيز والجهة. فنقول : لا شك ان الحيز والجهة امر مغاير لذات اللَّه تعالى فحينئذ تكون ذات اللَّه تعالى مفتقرة في تحققها إلى امر يغايرها وكل ما افتقر تحققه إلى ما يغايره كان ممكنا لذاته. والدليل عليه : ان الواجب لذاته هو الذي لا يلزم من عدم غيره عدمه والمفتقر إلى الغير هو الذي يلزم من عدم غيره عدمه فلو كان الواجب لذاته مفتقرا إلى الغير لزم ان يصدق عليه النقيضان وهو محال فثبت انه تعالى لو وجب حصوله في الحيز لكان ممكنا لذاته لا واجبا لذاته وذلك محال.
والوجه الثاني : في تقرير هذه الحجة : هو ان الممكن محتاج إلى الحيز والجهة. اما عند من يثبت الخلاء فلا شك ان الحيز والجهة تتقرر مع عدم التمكن واما عند من ينفي الخلاء فلا لأنه وان كان معتقدا انه لا بد من متمكن يحصل في الجهة الا انه لا يقول بانه لا بد لتلك الجهة من متمكن معين / بل اي شيء كان فقد كفى في كونه شاغلا لذلك الحيز. إذا ثبت هذا فلو كان ذات اللَّه تعالى مختصة بجهة وحيز لكانت ذاته مفتقرة إلى ذلك الحيز، وكان ذلك الحيز غنيا تحققه عن ذات اللَّه تعالى وحينئذ يلزم ان يقال : الحيز واجب لذاته غني عن غيره وان يقال ذات اللَّه تعالى مفتقرة في ذاتها واجبة بغيرها وذلك يقدح في قولنا : الإله تعالى واجب الوجود لذاته.


الصفحة التالية
Icon