مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٦٣
لسائر الأجسام في كونه حجما متحيزا ممتدا في الحيز والجهة مانعا من حصول غيره في الحيز الذي هو فيه وإذا ثبت حصول المساواة في ذلك المفهوم بينه وبين سائر الأجسام فاما ان يحصل بينه وبينهما مخالفة من سائر الوجوه او لا يحصل والاول باطل لوجهين : الاول : انه إذا حصلت المشاركة بين ذاته تعالى وبين ذوات الأجسام من بعض الوجوه والمخالفة من سائر الوجوه كان ما به المشاركة مغايرا لما به المخالفة وحينئذ تكون ذات الباري تعالى مركبة من هذين الاعتبارين وقد دللنا على ان كل مركب ممكن فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته هذا خلف. والثاني : وهو ان ما به المشاركة وهو طبيعة البعد والامتداد اما ان يكون محلا لما به المخالفة واما ان يكون حالا فيه واما ان يقال : انه لا محل له ولا حالا فيه. اما الاول : وهو ان يكون محلا لما به / المخالفة فعلى هذا التقدير طبيعة البعد والامتداد هي الجوهر القائم بنفسه والأمور التي حصلت بها المخالفة أعراض وصفات وإذا كانت الذوات متساوية في تمام الماهية فكل ما صح على بعضها وجب ان يصح على البواقي فعلى هذا التقدير كل ما صح على جميع الأجسام وجب ان يصح على الباري تعالى وبالعكس ويلزم منه صحة التفرق والتمزق والنمو والذبول والعفونة والفساد على ذات اللَّه تعالى وكل ذلك محال.
واما القسم الثاني : وهو ان يقال : ما به المخالفة محل وذات وما به المشاركة حال وصفة فهذا محال لان على هذا التقدير تكون طبيعة البعد والامتداد صفة قائمة بمحل وذلك المحل ان كان له ايضا اختصاص بحيز وجهة وجب افتقاره إلى محل آخر لا إلى نهاية وان لم يكن كذلك فحينئذ يكون موجودا مجردا لا تعلق له بالحيز والجهة والإشارة الحسية البتة وطبيعة البعد والامتداد واجبة الاختصاص بالحيز والجهة والإشارة الحسية وحلول ما هذا شانه في ذلك المحل يوجب الجمع بين النقيضين وهو محال.
واما القسم الثالث : وهو ان لا يكون أحدهما حالا في الآخر ولا محلا له فنقول : فعلى هذا التقدير يكون كل واحد منهما متباينا عن الآخر وعلى هذا التقدير فتكون ذات اللَّه تعالى مساوية لسائر الذوات الجسمانية في تمام الماهية لان ما به المخالفة بين ذاته وبين سائر الذوات ليست حالة في هذه الذوات ولا محالا لها بل امور اجنبية عنها فتكون ذات اللَّه تعالى مساوية لذوات الأجسام في تمام الماهية وحينئذ يعود الإلزام المذكور فثبت ان القول بان ذات اللَّه تعالى مختصة بالحيز والجهة بحيث يمنع من حصول جسم آخر في ذلك الحيز يفضي إلى هذه الأقسام الثلاثة الباطلة فوجب كونه باطلا.
واما القسم الثاني : وهو ان يقال : ان ذات اللَّه تعالى وان كانت مختصة بالحيز والجهة الا انه لا يمنع من حصول جسم آخر في ذلك الحيز والجهة فهذا ايضا محال لأنه يوجب كون ذاته مخالطة سارية في ذات ذلك الجسم الذي يحصل في ذلك الجنب والحيز وذلك بالإجماع محال ولأنه لو عقل ذلك فلم لا يعقل حصول الأجسام الكثيرة في الحيز الواحد؟ فثبت انه تعالى لو كان حاصلا في حيز لكان اما ان يمنع حصول جسم آخر في ذلك الحيز او لا يمنع وثبت فساد القسمين فكان القول بحصوله تعالى في الحيز والجهة محالا باطلا.
البرهان الحادي عشر : على انه يمتنع حصول ذات اللَّه تعالى في الحيز والجهة هو ان نقول : لو كان مختصا بحيز وجهة لكان اما ان يكون بحيث يمكنه ان يتحرك عن تلك الجهة او لا يمكنه / ذلك والقسمان


الصفحة التالية
Icon