مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٦٥
لم يحصل؟ فان كان الاول فحينئذ يكون ظاهره غير باطنه وباطنه غير ظاهره فكان مؤلفا مركبا من الظاهر والباطن مع ان باطنه غير ظاهره وظاهره غير باطنه وان كان الثاني فحينئذ يكون ذاته سطحا رقيقا في غاية الرقة مثل قشرة الثوم بل ارق منه ألف ألف مرة والعاقل لا يرضي ان يجعل مثل هذا الشيء اله العالم فثبت ان كونه تعالى في الحيز والجهة يقضي إلى فتح باب هذه الأقسام الباطلة الفاسدة.
الحجة الثالثة عشرة : العالم كرة وإذا كان الأمر كذلك امتنع ان يكون اله العالم حاصلا في جهة فوق.
اما المقام الاول : فهو مستقصى في علم الهيئة الا انا نقول انا إذا اعتبرنا كسوفا قمريا حصل في أول الليل بالبلاد الغربية كان عين ذلك الكسوف حاصلا في البلاد الشرقية في أول النهار فعلمنا ان أول الليل بالبلاد الغريبة هو بعينه أول النهار بالبلاد الشرقية وذلك لا يمكن الا إذا كانت الأرض مستديرة من المشرق إلى المغرب وايضا إذا توجهنا إلى الجانب الشمالي فكلما كان توغلنا اكثر كان ارتفاع القطب الشمالي اكثر وبمقدار ما يرتفع القطب الشمالي ينخفض القطب الجنوبي وذلك يدل على ان الأرض مستديرة من الشمال إلى الجنوب ومجموع هذين الاعتبارين يدل على ان الأرض كرة.
وإذا ثبت هذا فنقول : إذا فرضنا إنسانين وقف أحدهما على نقطة المشرق والآخر على نقطة المغرب صار اخمص قدميهما متقابلين والذي هو فوق بالنسبة إلى أحدهما يكون تحت بالنسبة إلى الثاني : فلو فرضنا ان له العالم حصل في الحيز الذي فوق بالنسبة إلى أحدهما فذلك الحيز بعينه هو تحت بالنسبة إلى الثاني وبالعكس فثبت انه تعالى لو حصل في حيز معين لكان ذلك الحيز تحتا / بالنسبة إلى أقوام معينين وكونه تعالى تحت اهل الدنيا محال بالاتفاق فوجب ان لا يكون حاصلا في حيز معين وايضا فعلى هذا التقدير انه كلما كان فوق بالنسبة إلى أقوام كان تحت بالنسبة إلى أقوام آخرين وكان يمينا بالنسبة إلى ثالث وشمالا بالنسبة إلى رابع وقدام الوجه بالنسبة إلى خامس وخلق الراس بالنسبة إلى سادس فان كون الأرض كرة يوجب ذلك الا ان حصول هذه الأحوال بإجماع العقلاء محال في حق اله العالم الا إذا قيل انه محيط بالأرض من جميع الجوانب فيكون هذا فلكا محيطا بالأرض وحاصله يرجع إلى ان اله العالم هو بعض الأفلاك المحيطة بهذا العالم وذلك لا يقوله مسلم واللَّه اعلم.
الحجة الرابعة عشرة : لو كان اله العالم فوق العرش لكان اما ان يكون مماسا للعرش او مباينا له ببعد متناه او ببعد غير متناه والأقسام الثلاثة باطلة فالقول بكونه فرق العرش باطل.
اما بيان فساد القسم الاول : فهو ان بتقدير ان يصير مماسا للعرش كان الطرف الأسفل منه مماسا للعرش فهل يبقى فوق ذلك الطرف منه شيء غير مماس للعرش او لم يبق؟ فان كان الاول فالشيء الذي منه صار مماسا لطرف العرش غير ما هو منه غير مماس لطرف العرش فيلزم ان يكون ذات اللَّه تعالى مركبا من الاجزاء والأبعاض فتكون ذاته في الحقيقة مركبة من سطوح متلاقية موضوعة بعضها فوق بعض وذلك هو القول بكونه جسما مركبا من الاجزاء والأبعاض وذلك محال وان كان الثاني فحينئذ يكون ذات اللَّه تعالى سطحا رقيقا لا ثخن له أصلا ثم يعود التقسيم فيه وهو انه ان حصل له تمدد في اليمين والشمال والقدام والخلف كان مركبا من الاجزاء والأبعاض وان لم يكن له تمدد ولا ذهاب في الاحياز بحسب الجهات الستة كان ذرة من الذرات وجزءا لا يتجزى مخلوطا بالهباءات وذلك لا يقوله عاقل.


الصفحة التالية
Icon