مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٦٦
واما القسم الثاني : وهو ان يقال بينه وبين العالم بعد متناه فهذا ايضا محال لان على هذا التقدير لا يمتنع ان يرتفع العالم من حيزه إلى الجهة التي فيها حصلت ذات اللَّه تعالى إلى ان يصير العالم مماسا له وحينئذ يعود المحال المذكور في القسم الاول.
واما القسم الثالث : وهو ان يقال انه تعالى مباين للعالم بينونة غير متناهية فهذا اظهر فسادا من كل الأقسام لأنه تعالى لما كان مباينا للعالم كانت البينونة بينه تعالى وبين غيره محدودة بطرفين وهما ذات اللَّه تعالى وذات العالم ومحصورا بين هذين الحاصرين والبعد المحصور بين الحاصرين والمحدود بين الحدين والطرفين يمتنع كونه بعدا غير متناه.
فان قيل : أليس انه تعالى متقدم على العالم من الأزل إلى الأبد فتقدمه على العالم محصور بين / حاصرين ومحدود بين حدين وطرفين أحدهما : الأزل، والثاني : أول وجود العالم ولم يلزم من كون هذا التقدم محصورا بين حاصرين ان يكون لهذا التقدم أول وبداية فكذا هاهنا وهذا هو الذي عول عليه محمد بن الهيثم في دفع هذا الأشكال عن هذا القسم.
والجواب : ان هذا هو محض المغالطة لأنه ليس الأزل عبارة عن وقت معين وزمان معين حتى يقال انه تعالى متقدم على العالم من ذلك الوقت إلى الوقت الذي هو أول العالم فان كل وقت معين يفرض من ذلك الوقت إلى الوقت الآخر يكون محدودا بين حدين ومحصورا بين حاصرين وذلك لا يعقل فيه ان يكون غير متناه بل الأزل عبارة عن نفي الأولية من غير ان يشار به إلى وقت معين البتة.
إذا عرفت هذا فنقول : اما ان نقول انه تعالى مختص بجهة معينة وحاصل في حيز معين واما ان لا نقول ذلك فان قلنا بالأول كان البعد الحاصل بين ذينك الطرفين محدودا بين ذينك الحدين والبعد المحصور بين الحاصرين لا يعقل كونه غير متناه لان كونه غير متناه عبارة عن عدم الحد والقطع والطرف وكونه محصورا بين الحاصرين معناه اثبات الحد والقطع والطرف والجمع بينهما يوجب الجمع بين النقيضين وهو محال.
ونظيره ما ذكرناه انا متى عينا قبل العالم وقتا معينا كان البعد بينه وبين الوقت الذي حصل فيه أول العالم بعدا متناهيا لا محالة. واما ان قلنا بالقسم الثاني : وهو انه تعالى غير مختص بحيز معين وغير حاصل في جهة معينة فهذا عبارة عن نفي كونه في الجهة لان كون الذات المعينة حاصلة لا في جهة معينة في نفسها قول محال ونظير هذا قول من يقول الأزل ليس عبارة عن وقت معين بل اشارة إلى نفي الأولية والحدوث فظهر ان هذا الذي قاله ابن الهيثم تخييل خال عن التحصيل.
الحجة الخامسة عشرة : انه ثبت في العلوم العقلية ان المكان : اما السطح الباطن من الجسم الحاوي واما البعد المجرد والفضاء الممتد وليس يعقل في المكان قسم ثالث.
إذا عرفت هذا فنقول : ان كان المكان هو الاول فنقول : ثبت ان أجسام العالم متناهية فخارج العالم الجسماني لا خلاء ولا ملاء ولا مكان ولا جهة فيمتنع ان يحصل الإله في مكان خارج العالم وان كان المكان هو الثاني : فنقول طبيعة البعد طبيعة واحدة متشابهة في تمام الماهية فلو حصل الإله في حيز لكان ممكن الحصول في سائر الاحياز وحينئذ يصح عليه الحركة والسكون وكل ما كان كذلك كان محدثا بالدلائل


الصفحة التالية
Icon