مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٦٧
المشهورة المذكورة في علم الأصول وهي مقبولة عند جمهور المتكلمين فيلزم كون الإله محدثا وهو محال فثبت ان القول بانه تعالى حاصل في الحيز والجهة / قول باطل على كل الاعتبارات :
الحجة السادسة عشرة : وهي حجة استقرائية اعتبارية لطيفة جدا وهي انا رأينا ان الشيء كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقوى واثبت كانت القوة الفاعلية فيه أضعف وانقص وكلما كان حصول معنى الجسمية فيه اقل وأضعف كان حصول القوة الفاعلية أقوى وأكمل وتقريره ان نقول وجدنا الأرض اكثف الأجسام وأقواها حجمية فلا جرم لم يحصل فيها الا خاصة قبول الأثر فقط فاما ان يكون للأرض الخالصة تأثير في غيره فقليل جدا. واما الماء فهو اقل كثافة وحجمية من الأرض فلا جرم حصلت فيه قوة مؤثرة فان الماء الجاري بطبعه إذا اختلط بالأرض اثر فيها أنواعا من التاثيرات. واما الهواء فانه اقل حجمية وكثافة من الماء فلا جرم كان أقوى على التأثير من الماء فلذلك قال بعضهم ان الحياة لا تكمل الا بالنفس وزعموا انه لا معنى للروح الا الهواء المستنشق واما النار فإنها اقل كثافة من الهواء فلا جرم كانت أقوى الأجسام العنصرية على التأثير فبقوة الحرارة يحصل الطبخ والنضج وتكون المواليد الثلاثة اعني المعادن والنبات والحيوان. واما الأفلاك فإنها الطف من الاجرام العنصرية فلا جرم كانت هي المستولية على مزاج الاجرام العنصرية بعضها البعض وتوليد الأنواع والأصناف المختلفة من تلك التمزيجات فهذا الاستقراء المطرد يدل على ان الشيء كلما كان اكثر حجمية وجرمية وجسمية كان اقل قوة وتأثيرا وكلما كان أقوى قوة وتأثيرا كان اقل حجمية وجرمية وجسمية وإذا كان الأمر كذلك أفاد هذا الاستقراء ظنا قويا انه حيث حصل كمال القوة والقدرة على الأحداث والإبداع لم يحصل هناك البتة معنى الحجمية والجرمية والاختصاص بالحيز والجهة وهذا وان كان بحثا استقرائيا الا انه عند التأمل التام شديد المناسبة للقطع بكونه تعالى منزها عن الجسمية والموضع والحيز. وباللَّه التوفيق. فهذه جملة الوجوه العقلية في بيان كونه تعالى منزها عن الاختصاص بالحيز والجهة.
اما الدلائل السمعية فكثيرة : أولها : قوله تعالى : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص : ١] فوصفه بكونه أحدا والأحد مبالغة في كونه واحدا. والذي يمتلئ منه العرش ويفضل عن العرش يكون مركبا من أجزاء كثيرة جدا فوق أجزاء العرش وذلك ينافي كونه أحدا ورأيت جماعة من الكرامية عند هذا الإلزام يقولون انه تعالى ذات واحدة ومع كونها واحدة حصلت في كل هذه الاحياز دفعة واحدة. قالوا : فلأجل انه حصل دفعة واحدة في جميع الاحياز امتلأ العرش منه. فقلت حاصل هذا الكلام يرجع إلى انه يجوز حصول الذات الشاغلة للحيز والجهة في احياز كثيرة دفعة واحدة / والعقلاء اتفقوا على ان العلم بفساد ذلك من أجل العلوم الضرورية وايضا فان جوزتم ذلك فلم لا تجوزون ان يقال : ان جميع العالم من العرش إلى ما تحت الثرى جوهر واحد وموجود واحد الا ان ذلك الجزء الذي لا يتجزى حصل في جملة هذه الاحياز فيظن انها أشياء كثيرة ومعلوم ان من جوزه فقد التزم منكرا من القول عظيما.
فان قالوا : انما عرفنا هاهنا حصول التغاير بين هذه الذوات لان بعضها يفنى مع بقاء الباقي وذلك يوجب التغاير وايضا فنرى بعضها متحركا وبعضها ساكنا والمتحرك غير الساكن فوجب القول بالتغاير وهذه المعاني غير حاصلة في ذات اللَّه فظهر الفرق فنقول : اما قولك بانا نشاهد ان هذا الجزء يبقى مع انه يفنى ذلك الجزء الآخر وذلك يوجب التغاير فنقول : لا نسلم انه فنى شيء من الاجزاء بل نقول لم لا يجوز ان


الصفحة التالية
Icon