مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٦٨
يقال ان جميع أجزاء العالم جزء واحد فقط؟ ثم انه حصل هاهنا وهناك وايضا حصل موصوفا بالسواد والبياض وجميع الألوان والطعوم فالذي يفنى انما هو حصوله هناك فاما ان يقال انه فني في نفسه فهذا غير مسلم واما قوله : نرى بعض الأجسام متحركا وبعضها ساكنا وذلك يوجب التغاير لان الحركة والسكون لا يجتمعان. فنقول : إذا حكمنا بان الحركة والسكون لا يجتمعان لاعتقادنا ان الجسم الواحد لا يحصل دفعة واحدة في حيزين فإذا رأينا ان الساكن بقي هنا وان المتحرك ليس هنا قضينا ان المتحرك غير الساكن. واما بتقدير ان يجوز كون الذات الواحدة حاصلة في حيزين دفعة واحدة لم يمتنع كون الذات الواحدة متحركة ساكنه معا، لان أقصى ما في الباب ان بسبب السكون بقي هنا وبسبب الحركة حصل في الحيز الآخر الا انا لما جوزنا ان تحصل الذات الواحدة دفعة واحدة في حيزين معا لم يبعد ان تكون الذات الساكنة هي عين الذات المتحركة فثبت انه لو جاز ان يقال انه تعالى في ذاته واحد لا يقبل القسمة ثم مع ذلك يمتلئ العرش منه لم يبعد ايضا ان يقال : العرش في نفسه جوهر فرد وجزء لا يتجزى ومع ذلك فقد حصل في كل تلك الاحياز وحصل منه كل العرش ومعلوم ان تجويزه يفضي إلى فتح باب الجهالات. وثانيها : انه تعالى قال : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة : ١٧] فلو كان اله العالم في العرش لكان حامل العرش حاملا للاله فوجب ان يكون الإله محمولا حاملا ومحفوظا حافظا وذلك لا يقوله عاقل. وثالثها : انه تعالى قال : وَاللَّهُ الْغَنِيُّ [محمد : ٣٨] حكم بكونه غنيا على الإطلاق وذلك يوجب كونه تعالى غنيا عن المكان والجهة.
ورابعها : ان فرعون لما طلب حقيقة الإله تعالى من موسى عليه السلام ولم يزد موسى عليه السلام على ذكر صفة الخلاقية ثلاث مرات فانه لما قال : وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء : ٢٣] ففي المرة الاولى قال : رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا / إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [الدخان : ٧] وفي الثانية قال : رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء : ٢٦] وفي المرة الثالثة : قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشعراء : ٢٨] وكل ذلك اشارة إلى الخلاقية واما فرعون لعنه اللَّه فانه قال : يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى [غافر : ٣٦ ٣٧] فطلب الإله في السماء فعلمنا ان وصف الإله بالخلاقية وعدم وصفه بالمكان والجهة دين موسى وسائر جميع الأنبياء وجميع وصفه تعالى بكونه في السماء دين فرعون وإخوانه من الكفرة. وخامسها : انه تعالى قال في هذه الآية : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وكلمة «ثم» للتراخي وهذا يدل على انه تعالى انما استوى على العرش بعد تخليق السموات والأرض فان كان المراد من الاستواء الاستقرار لزم ان يقال : انه ما كان مستقرا على العرش بل كان معوجا مضطربا ثم استوى عليه بعد ذلك وذلك يوجب وصفه بصفات سائر الأجسام من الاضطراب والحركة تارة والسكون اخرى وذلك لا يقوله عاقل.
وسادسها : هو انه تعالى حكى عن ابراهيم عليه السلام انه انما طعن في الهية الكوكب والقمر والشمس بكونها آفلة غاربة فلو كان اله العالم جسما لكان ابدا غاربا آفلا وكان منتقلا من الاضطراب والاعوجاج إلى الاستواء والسكون والاستقرار فكل ما جعله ابراهيم عليه السلام طعنا في الهية الشمس والكوكب والقمر يكون حاصلا في اله العالم فكيف يمكن الاعتراف بإلهيته. وسابعها : انه تعالى ذكر قبل قوله : ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ شيئا وبعده شيئا آخر. اما الذي ذكره قبل هذه الكلمة فهو قوله : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وقد بينا ان خلق السموات والأرض يدل على وجود الصانع وقدرته وحكمته من وجوه كثيرة. واما الذي ذكره بعد هذه الكلمة فأشياء :


الصفحة التالية
Icon