مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٧٠
للرجل الطويل : فلان طويل النجاد وللرجل الذي يكثر / الضيافة كثير الرماد وللرجل الشيخ فلان اشتعل رأسه شيبا وليس المراد في شيء من هذه الألفاظ اجراؤها على ظواهرها انما المراد منها تعريف المقصود على سبيل الكناية فكذا هاهنا يذكر الاستواء على العرش والمراد نفاذ القدرة وجريان المشيئة ثم قال القفال رحمه اللّه تعالى : واللّه تعالى لما دل على ذاته وعلى صفاته وكيفية تدبيره العالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم ورؤسائهم استقر في قلوبهم عظمة اللّه وكمال جلاله الا ان كل ذلك مشروط ينفى التشبيه فإذا قال : انه عالم فهموا منه انه لا يخفى عليه تعالى شيء ثم علموا بعقولهم انه لم يحصل ذلك العلم بفكرة ولا روية ولا باستعمال حاسة وإذا قال : قادر علموا منه انه متمكن من إيجاد الكائنات وتكوين الممكنات ثم علموا بعقولهم انه غنى في ذلك الإيجاد والتكوين عن الآلات والأدوات وسبق المادة والمدة والفكرة والروية وهكذا القول في كل صفاته وإذا اخبر ان له بيتا يجب على عباده حجة فهموا منه انه نصب لهم موضعا يقصدونه لمسالة ربهم وطلب حوائجهم كما يقصدون بيوت الملوك والرؤساء لهذا المطلوب ثم علموا بعقولهم نفى التشبيه وانه لم يجعل ذلك البيت مسكنا لنفسه ولم ينتفع به في دفع الحر والبرد بعينه عن نفسه فإذا أمرهم بتحميده وتمجيده فهموا منه انه أمرهم بنهاية تعظيمه ثم علموا بعقولهم انه لا يفرح لذلك التحميد والتعظيم ولا يغتم بتركه والاعراض عنه إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : انه تعالى اخبر انه خلق السموات والأرض كما أراد وشاء من غر منازع ولا مدافع ثم اخبر بعده انه استوى على العرش اى حصل له تدبير المخلوقات على ما شاء وأراد فكان قوله : ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ اى بعد ان خلقها استوى على عرش الملك والجلال.
ثم قال القفال : والدليل على ان هذا هو المراد قوله في سورة يونس : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يونس : ٣] فقوله : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ جرى مجرى التفسير لقوله : اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وقال في هذه الآية التي نحن في تفسيرها : ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وهذا يدل على ان قوله : ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ اشارة إلى ما ذكرناه.
فان قيل : فإذا حملتم قوله : ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ على ان المراد : استوى على الملك وجب ان يقال : اللّه لم يكن مستويا قبل خلق السموات والأرض.
قلنا : انه تعالى انما كان قبل خلق العوالم قادرا على تخليقها وتكوينها وما كان مكونا ولا موجودا لها بأعيانها بالفعل لان احياء زيد وامانة عمرو واطعام هذا وارواء ذلك لا يحصل / الا عند هذه الأحوال فإذا فسرنا العرش بالملك والملك بهذه الأحوال صح ان يقال : انه تعالى انما استوى على ملكه بعد خلق السموات والأرض بمعنى انه انما ظهر تصرفه في هذه الأشياء وتدبيره لها بعد خلق السموات والأرض وهذا جواب حق صحيح في هذا الموضع.
والوجه الثاني : في الجواب ان يقال : استوى بمعنى استولى وهذا الوجه قد اطلنا في شرحه في سورة طه فلا نعيده هنا.
والوجه الثالث : ان نفسر العرش بالملك ونفسر استوى بمعنى : علا واستعلى على الملك فيكون المعنى :


الصفحة التالية
Icon