مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٧٥
وقوله : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل : ٤٠] ومنهم من حمل هذا الأمر على الأمر الثاني الذي هو الكلام، وقال : انه تعالى امر هذه الاجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة.
المسألة الخامسة : ان الشمس والقمر من النجوم فذكرهما ثم عطف على ذكر هما ذكر النجوم والسبب في افرادهما بالذكر انه تعالى جعلهما سببا لعمارة هذا العالم، والاستقصاء في تقريره لا يليق بهذا الموضع، فالشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، والشمس تأثيرها في التسخين والقمر تأثيره في الترطيب، وتولد المواليد الثلاثة اعني المعادن والنبات والحيوان لا يتم ولا يكمل الا بتأثير الحرارة في الرطوبة. ثم انه تعالى خص كل كوكب بخاصة عجيبة وتدبير غريب لا يعرفه بتمامه الا اللّه تعالى، وجعله معينا لهما في تلك التاثيرات والمباحث المستقصاة في علم الهيئة تدل على ان الشمس كالسلطان، والقمر كالنائب وسائر الكواكب كالخدم، فلهذا السبب بدا اللّه سبحانه بذكر الشمس وثنى القمر ثم اتبعه بذكر سائر النجوم.
اما قوله تعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ففيه مسائل :
المسألة الاولى : احتج أصحابنا بهذه الآية على انه لا موجد ولا مؤثر الا اللّه سبحانه والدليل عليه ان كل من أوجد شيئا واثر في حدوث شيء فقد قدر على تخصيص ذلك الفعل بذلك الوقت فكان خالقا، ثم الآية دلت على انه لا خالق الا اللّه لأنه قال : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وهذا يفيد الحصر بمعنى انه لا خالق الا اللّه، وذلك يدل على ان كل امر يصدر عن فلك او ملك او جني او انسي، فخالق / ذلك الأمر في الحقيقة هو اللّه سبحانه لا غير. وإذا ثبت هذا الأصل تفرعت عليه مسائل : احداها : انه لا اله الا اللّه إذ لو حصل إلهان لكان الإله الثاني خالقا ومدبرا، وذلك يناقض مدلول هذه الآية في تخصص الخلق بهذا الواحد. وثانيها : انه لا تأثير للكواكب في احوال هذا العالم، والا لحصل خالق سوى اللّه، وذلك ضد مدلول هذه الآية. وثالثها : ان القول بإثبات الطبائع، واثبات العقول والنفوس على ما يقوله الفلاسفة واصحاب الطلسمات باطل، والا لحصل خالق غير اللّه. ورابعها : خالق اعمال العباد هو اللّه، والا لحصل خالق غير اللّه. وخامسها : القول بان العلم يوجب العالمية والقدرة توجب القادرية باطل والا لحصل مؤثر غير اللّه، ومقدر غير اللّه، وخالق غير اللّه، وانه باطل.
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على ان كلام اللّه قديم. قالوا : انه تعالى ميز بين الخلق وبين الأمر، ولو كان الأمر مخلوقا لما صح هذا التمييز. أجاب الجبائي : عنه بانه لا يلزم من افراد الأمر بالذكر عقيب الخلق ان لا يكون الأمر داخلا في الخلق فانه تعالى قال : تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر : ١] وآيات الكتاب داخلة في القرآن وقال : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل : ٩٠] مع ان الإحسان داخل في العدل وقال : مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة : ٩٨] وهما داخلان تحت الملائكة. وقال الكعبي : ان مدار هذه الحجة على ان المعطوف يجب ان يكون مغايرا للمعطوف عليه، فان صح هذا الكلام بطل مذهبكم لأنه تعالى قال : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ [الأعراف : ١٥٨] فعطف الكلمات على اللّه فوجب ان تكون الكلمات غير اللّه وكل ما كان غير اللّه فهو محدث مخلوق، فوجب كون كلمات اللّه محدثة مخلوقة. وقال القاضي : أطبق المفسرون على انه ليس المراد بهذا الأمر كلام التنزيل، بل المراد به نفاذ ارادة اللّه تعالى لان الغرض بالآية تعظيم قدرته، وقال آخرون : لا يبعد ان يقال : الأمر وان كان داخلا تحت الخلق الا ان الأمر بخصوص كونه امرا يدل على نوع آخر من الكمال والجلال فقوله : لَهُ الْخَلْقُ


الصفحة التالية
Icon