مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٨٩
الى كل واحد من الاجزاء التي لا تتجزأ من تلك الريح نسبة واحدة فاختصاص بعض أجزاء الريح بالذهاب يمنة والجزء الآخر بالذهاب يسرة وجب ان لا يكون ذلك الا بتخصيص الفاعل المختار.
والفائدة الثانية : في الآية ان قوله : بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى بين يدي المطر الذي هو رحمته والسبب في حسن هذا المجاز ان اليدين يستعملهما العرب في معنى التقدمة على سبيل المجاز يقال : ان الفتن تحدث بين يدي الساعة يريدون قبيلها والسبب في حسن هذا المجاز ان يدي الإنسان متقدماته / فكل ما كان يتقدم شيئا يطلق عليه لفظ اليدين على سبل المجاز لأجل هذه المشابهة فلما كانت الرياح تتقدم المطر لا جرم عبر عنه بهذا اللفظ.
فان قيل : فقد نجد المطر ولا تتقدمه الرياح فنقول : ليس في الآية ان هذا التقدم حاصل في كل الأحوال فلم يتوجه السؤال وايضا فيجوز ان تتقدمه هذه الرياح وان كنا لا نشعر بها.
ثم قال تعالى : حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا يقال : اقل فلان الشيء إذا حمله قال صاحب «الكشاف» :
واشتقاق الإقلال من القلة لان من يرفع شيئا فانه يرى ما يرفعه قليلا وقوله : سَحاباً ثِقالًا اى بالماء جمع سحابة والمعنى حتى إذا حملت هذه الرياح سحابا ثقالا بما فيها من الماء والمعنى ان السحاب الكثيف المستطير للمياه العظيمة انما يبقى معلقا في الهواء لأنه تعالى دبر بحكمته ان يحرك الرياح تحريكا شديدا فلأجل الحركات الشديدة التي في تلك الرياح تحصل فوائد : احداها : ان أجزاء السحاب ينضم بعضها إلى البعض ويتراكم وينعقد السحاب الكثيف الماطر. وثانيها : ان بسبب تلك الحركات الشديدة التي في تلك الرياح يمنة ويسرة يمتنع على تلك الاجزاء المائية النزول فلا جرم يبقى متعلقا في الهواء. وثالثها : ان بسبب حركات تلك الرياح ينساق السحاب من موضع إلى موضع آخر وهو الموضع الذي علم اللّه تعالى احتياجهم إلى نزول الأمطار وانتفاعهم بها. ورابعها : ان حركات الرياح تارة تكون جامعة لا جزاء السحاب موجبة لانضمام بعضها إلى البعض حتى ينعقد السحاب الغليظ وتارة تكون مفرقة لا جزاء السحاب مبطلة لها. وخامسها : ان هذه الرياح تارة تكون مقوية للزروع والأشجار مكملة لما فيها من النشو والنماء وهي الرياح اللواقح وتارة تكون مبطلة لها كما تكون في الخريف. وسادسها : ان هذه الرياح تارة تكون طيبة لذيذة موافقة للابدان وتارة تكون مهلكة جدا. وسابعها : ان هذه الرياح تارة تكون شرقية، وتارة تكون غربية وشمالية وجنوبية. وهذا ضبط ذكره بعض الناس والا فالرياح تهب من كل جانب من جوانب العالم ولا ضبط لها ولا اختصاص لجانب من جوانب العالم بها.
وثامنها : ان هذه الرياح تارة تصعد من قعر الأرض فان من ركب البحر يشاهد ان البحر يحصل غليان شديد فيه بسبب تولد الرياح في قعر البحر إلى ما فوق البحر وحينئذ يعظم هبوب الرياح في وجه البحر وتارة ينزل الريح من جهة فوق فاختلاف الرياح بسبب هذه المعاني ايضا عجيب وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما : الرياح ثمان : اربع منها عذاب وهو القاصف والعاصف والصرصر والعقيم واربعة منها رحمة : الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وعن النبي (صلى اللّه عليه وسلّم) :«نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور»
والجنوب من ريح الجنة وعن كعب : لو حبس اللّه الريح عن عباده ثلاثة ايام لأنتن أكثر الأرض وعن السدى : انه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ثم انه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء


الصفحة التالية
Icon