مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٩٦
الفائدة الثالثة : في هذه الآية ان ظاهر هذه الآية يدل على ان الإله هو الذي يستحق العبادة لان قوله :
اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ اثبات ونفى فيجب ان يتواردا على مفهوم واحد حتى يستقيم الكلام فكان المعنى اعبدوا اللّه ما لكم من معبود غيره حتى يتطابق النفي والإثبات ثم ثبت بالدليل ان الإله ليس هو المعبود والا لوجب كون الأصنام آلهة وان لا يكون الإله الها في الأزل لأجل انه في الأزل غير معبود فوجب حمل لفظ الإله على انه المستحق للعبادة.
واعلم انهم اختلفوا في معنى قوله : إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ هل هو اليقين او الخوف بمعنى الظن والشك.
قال قوم : المراد منه الجزم واليقين لأنه كان جازما بان العذاب ينزل بهم اما في الدنيا واما في / الآخرة ان لم يقبلوا ذلك الدين. وقال آخرون : بل المراد منه الشك وتقريره من وجوه : الاول : انه انما قال : إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ لأنه جوز ان يؤمنوا كما جوز ان يستمروا على كفرهم ومع هذا التجويز لا يكون قاطعا بنزول العذاب فوجب ان يذكره بلفظ الخوف. والثاني : ان حصول العقاب على الكفر والمعصية امر لا يعرف الا بالسمع ولعل اللّه تعالى ما بين له كيفية هذه المسألة فلا جرم بقي متوقفا مجوزا انه تعالى هل يعاقبهم على ذلك الكفر أم لا؟ والثالث : يحتمل ان يكون المراد من الخوف الحذر كما قال في الملائكة : يَخافُونَ رَبَّهُمْ [النحل : ٥٠] اى يحذرون المعاصي خوفا من العقاب. الرابع : انه بتقدير ان يكون قاطعا بنزول اصل العذاب لكنه ما كان عارفا بمقدار ذلك العذاب وهو انه عظيم جدا او متوسط فكان هذا الشك راجعا إلى وصف العقاب وهو كونه عظيما أم لا لا في اصل حصوله.
[في قوله تعالى قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إلى قوله رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ] ثم انه تعالى حكى ما ذكره في قومه فقال : قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وقال المفسرون : الْمَلَأُ الكبراء والسادات الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء والدليل عليه ان قوله مِنْ قَوْمِهِ يقتضى ان ذلك الملا بعض قومه وذلك البعض لا بد وان يكونوا موصوفين بصفة لأجلها استحقوا هذا الوصف وذلك بان يكونوا هم الذين يملؤون صدور المجالس وتمتلئ القلوب من هيبتهم وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم وتتوجه العيون في المحافل إليهم وهذه الصفات لا تحصل الا في الرؤساء وذلك يدل على ان المراد من الملا الرؤساء والأكابر. وقوله : إِنَّا لَنَراكَ هذه الرؤية لا بد وان تكون بمعنى الاعتقاد والظن دون المشاهدة والرؤية. وقوله : فِي ضَلالٍ مُبِينٍ اى في خطا ظاهر وضلال بين ولا بد وان يكون مرادهم نسبة نوح إلى الضلال في المسائل الأربع التي بينا ان نوحا عليه السلام ذكرها وهي التكليف والتوحيد والنبوة والمعاد ولما ذكروا هذا الكلام أجاب نوح عليه السلام بقوله : يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ.
فان قالوا : ان القوم قالوا : إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
فجوابه ان يقال : ليس بي ضلال فلم ترك هذا الكلام وقال : ليس بي ضلالة؟
قلت : لان قوله : لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ اى ليس بي نوع من أنواع الضلالة البتة فكان هذا ابلغ في عموم السلب ثم انه عليه السلام لما نفى عن نفسه العيب الذي وصفوه به ووصف نفسه بأشرف الصفات وأجلها وهو كونه رسولا إلى الخلق من رب العالمين ذكر ما هو المقصود من الرسالة وهو أمران : الاول : تبليغ الرسالة. والثاني : تقرير النصيحة. فقال : أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وفيه مسائل :
المسألة الاولى : قرا ابو عمرو أُبَلِّغُكُمْ بالتخفيف من ابلغ والباقون بالتشديد. قال الواحدي :


الصفحة التالية
Icon