مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٩٩
فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها
[الانعام : ١٠٤] قال زهير :
واعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عمى
قال صاحب «الكشاف» : قرئ عامَيْنِ والفرق بين العمى والعامي ان العمى يدل على عمى ثابت.
والعامي على عمى حادث ولا شك ان عماهم كان ثابتا راسخا والدليل عليه قوله تعالى في آية اخرى :
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود : ٣٦].
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٥ إلى ٦٩]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)
اعلم ان هذا هو القصة الثانية وهي قصة هود مع قومه.
اما قوله : وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ففيه ابحاث :
البحث الاول : انتصب قوله : أَخاهُمْ بقوله : أَرْسَلْنا [الأعراف : ٥٩] في أول الكلام والتقدير لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا.
البحث الثاني : اتفقوا على ان هودا ما كان أخا لهم في الدين. واختلفوا في انه هل كان أخا قرابة قريبة أم لا؟ قال الكلبي : انه كان واحدا من تلك القبيلة وقال آخرون : انه كان من بنى آدم ومن جنسهم لا من جنس الملائكة فكفى هذا القدر في تسمية هذه الاخوة والمعنى انا بعثنا إلى عاد واحدا من جنسهم وهو البشر ليكون الفهم والانس بكلامه وأفعاله أكمل وما بعثنا إليهم شخصا من غير جنسهم مثل ملك او جنى.
البحث الثالث : أخاهم : اى صاحبهم ورسولهم والعرب تسمى صاحب القوم أخ القوم ومنه قوله تعالى : كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف : ٣٨] اى صاحبتها وشبيهتها. وقال عليه السلام :«ان أخا صداء قد اذن وانما يقيم من اذن» يريد صاحبهم.
البحث الرابع : قالوا نسب هود هذا : هود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح واما عاد فهم قوم كانوا باليمن بالأحقاف قال ابن اسحق : والأحقاف الرمل الذي بين عمان إلى حضر موت.
البحث الخامس : اعلم ان ألفاظ هذه القصة موافقة للالفاظ المذكورة في قصة نوح عليه السلام الا في أشياء : الاول : في قصة نوح عليه السلام : فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [الأعراف : ٥٩] وفي قصة هود : قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ والفرق ان نوحا عليه السلام كان مواظبا على دعواهم وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة. واما هود فما كانت مبالغته إلى هذا الحد فلا جرم جاء «فاء التعقيب» في كلام نوح دون كلام هود. والثاني : ان في قصة نوح اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ