مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٣٠٢
والشدة والجلادة وكون بعضهم محبا للباقين ناصرا لهم وزوال العداوة والخصومة من بينهم فانه تعالى لما خصهم بهذه الأنواع من الفضائل والمناقب فقد قرر لهم حصولها فصح ان يقال : وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً ولما ذكر هود هذين النوعين من النعمة قال : فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وفيه بحثان :
البحث الاول : لا بد في الآية من إضمار والتقدير : واذكروا آلاء اللّه واعملوا عملا يليق بتلك الإنعامات لعلكم تفلحون. وانما اضمرنا العمل لان الصلاح الذي هو الظفر بالثواب لا يحصل بمجرد التذكر بل لا بد له من العمل واستدل الطاعنون في وجوب الأعمال الظاهرة بهذه الآية وقالوا : انه تعالى رتب حصول الصلاح على مجرد التذكر فوجب ان يكون مجرد التذكر كافيا في حصول الصلاح وجوابه ما تقدم من ان سائر الآيات ناطقة بانه لا بد من العمل. واللّه اعلم.
البحث الثاني : قال ابن عباس : آلاءَ اللَّهِ اى نعم اللّه عليكم. قال الواحدي : واحد الآلاء إلى والو والى. قال الأعشى :
ابيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحما ولا يخون الى
قال نظير الآلاء الآناء، واحدها : انا وانى وانى وزاد صاحب «الكشاف» في الامثلة فقال : ضلع وأضلاع وعنب وأعناب.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٠ إلى ٧٢]
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)
[قوله تعالى قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ] اعلم ان هودا عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدليل القاطع وذلك لأنه بين ان نعم اللّه عليهم كثيرة عظيمة وصريح العقل يدل على انه ليس للاصنام شيء من النعم على الخلق لأنها جمادات والجماد لا قدرة له على شيء أصلا وظاهر ان العبادة نهاية التعظيم ونهاية التعظيم لا تليق الا بمن يصدر عنه نهاية الانعام وذلك يدل على انه يجب عليهم ان يعبدو اللّه وان لا يعبدوا شيئا من الأصنام ومقصود اللّه تعالى من ذكر اقسام انعامه على العبيد هذه الحجة التي ذكرها ثم ان هودا عليه السلام لما ذكر هذه الحجة اليقينية لم يكن من القوم جواب عن هذه الحجة التي ذكرها الا التمسك بطريقة التقليد فقالوا :
أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ثم قالوا : فَأْتِنا بِما تَعِدُنا وذلك لأنه عليه السلام قال :
اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف : ٦٥] فقوله : أَفَلا تَتَّقُونَ مشعر بالتهديد والتخويف بالوعيد فلهذا المعنى قالوا : فَأْتِنا بِما تَعِدُنا وانما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون كونه كاذبا بدليل انهم قالوا له : وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ [الأعراف : ٦٦] فلما اعتقدوا كونه كاذبا قالوا له : فَأْتِنا بِما تَعِدُنا والغرض انه إذا لم يأتهم بذلك العذاب ظهر للقوم كونه كاذبا وانما قالوا ذلك لأنهم ظنوا ان الوعد لا يجوز ان يتأخر فلا جرم استعجلوه على هذا الحد.


الصفحة التالية
Icon