مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٣٠٣
[في قوله تعالى قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ] ثم حكى اللّه تعالى عن هود عليه السلام انه قال عند هذا الكلام : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ وفيه مسائل :
المسألة الاولى : هذا الذي اخبر اللّه عنه بانه وقع لا يجوز ان يكون هو العذاب لان العذاب ما كان حاصلا في ذلك الوقت وقد اختلفوا فيه قال القاضي : تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر الا انا نقول : معناه انه تعالى أحدث ارادة في ذلك الوقت لان بعد كفرهم وتكذيبهم حدثت هذه الارادة. واعلم ان هذا القول عندنا باطل بل عندنا في الآية وجوه من التأويلات : أحدها : انه تعالى أخبره في ذلك الوقت بنزول العذاب عليهم فلما حدث الأعلام في ذلك الوقت لا جرم قال هود في ذلك الوقت : وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ وثانيها : انه جعل التوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع. ونظيره قولك لمن طلب منك شيئا قد كان ذلك بمعنى انه سيكون ونظيره قوله تعالى : أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل : ١] بمعنى : سيأتي امر اللّه. وثالثها :
انا نحمل قوله : وَقَعَ على معنى وجد وحصل والمعنى : ارادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل إلى الأبد لان قولنا : حصل لا اشعار له بالحدوث بعد ما لم يكن.
المسألة الثانية : الرجس لا يمكن ان يكون المراد منه العذاب لان المراد من الغضب / العذاب فلو حملنا الرجس عليه لزم التكرير وايضا الرجس ضد التزكية والتطهير. قال تعالى : تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة : ١٠٣] وقال في صفة اهل البيت : وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب : ٣٣] والمراد التطهر من العقائد الباطلة والأفعال المذمومة وإذا كان كذلك وجب ان يكون الرجس عبارة عن العقائد الباطلة والأفعال المذمومة.
إذا ثبت هذا فقوله : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ يدل على انه تعالى خصهم بالعقائد المذمومة والصفات القبيحة وذلك يدل على ان الخير والشر من اللّه تعالى قال القفال : يجوز ان يكون الرجس هو الازدياد في الكفر بالرين على القلوب كقوله تعالى : فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة : ١٢٥] اى قد وقع عليكم من اللّه رين على قلوبكم عقوبة منه لكم بالخذلان لالفكم الكفر وتماديكم في الغي.
واعلم انا قد دللنا على ان هذه الآية تدل على ان كفرهم من اللّه فهذا الذي قاله القفال ان كان المراد منه ذلك فقد جاء بالوفاق الا انه شديد النفرة عن هذا المذهب واكثر تاويل الآيات الدالة على هذا المذهب تدل على انه لا يقول بهذا القول وان كان المراد منه الجواب عما شرحناه فهو ضعيف لأنه ليس فيه ما يوجب رفع الدليل الذي ذكرناه واللّه اعلم. و.........
وحاصل الكلام في الآية : ان القوم لما أصروا على التقليد وعدم الانقياد للدليل زادهم اللّه كفرا وهو المراد من قوله : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ ثم خصهم بمزيد الغضب وهو قوله : وَغَضَبٌ.
ثم قال : أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ والمراد منه :
الاستفهام على سبيل الإنكار وذلك لأنهم كانوا يسمون الأصنام بالآلهة مع ان معنى الإلهية فيها معدوم وسموا واحدا منها بالعزى مشتقا من العز واللّه ما أعطاه عزا أصلا وسموا آخر منها باللات وليس له من الإلهية شيء. وقوله : ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ عبارة عن خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة ثم انه عليه


الصفحة التالية
Icon