مفاتيح الغيب، ج ١٥، ص : ٤٦٠
ذلك، ومعناه أنه تعالى أردف المسلمين وأيدهم بهم.
المسألة الثالثة : اختلفوا في أن الملائكة هل قاتلوا يوم بدر؟ فقال قوم نزل جبريل عليه السلام في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة، وفيها علي بن أبي طالب في صورة الرجال عليهم ثيابهم بيض وقاتلوا. وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ويوم حنين، وعن أبي جهل أنه قال لابن مسعود : من أين كان الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصاً قال هو من الملائكة فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم، وروي أن رجلًا من المسلمين بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين إذ سمع صوت ضربة بالصوت فوقه فنظر إلى المشرك وقد خر مستلقياً وقد شق وجهه فحدث الأنصاري رسول اللَّه فقال صدقت. ذاك من مدد السماء، وقال آخرون : لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك الدنيا كلها فإن جبريل أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط وأهلك بلاد ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة،
والكلام في كيفية هذا الإمداد مذكور في سورة آل عمران بالاستقصاء / والذي يدل على صحة أن الملائكة ما نزلوا للقتال قوله تعالى : وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى قال الفراء : الضمير عائد إلى الأرداف والتقدير : ما جعل اللَّه الأرداف إلا بشرى. وقال الزجاج : ما جعل اللَّه المردفين إلا بشرى، وهذا أولى لأن الأمداد بالملائكة حصل بالبشرى.
قال ابن عباس : كان رسول اللَّه صَلَّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر في العريش قاعداً يدعو، وكان أبو بكر قاعداً عن يمينه ليس معه غيره، فخفق رسول اللَّه صَلَّى اللّه عليه وسلّم من نفسه نعساً، ثم ضرب بيمينه على فخذ أبي بكر وقال :«أبشر بنصر اللَّه ولقد رأيت في منامي جبريل يقدم الخيل»
وهذا يدل على أنه لا غرض من إنزالهم إلا حصول هذه البشرى، وذلك ينفي إقدامهم على القتال.
ثم قال تعالى : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ والمقصود التنبيه على أن الملائكة وإن كانوا قد نزلوا في موافقة المؤمنين، إلا أن الواجب على المؤمن أن لا يعتمد على ذلك بل يجب أن يكون اعتماده على إغاثة اللَّه ونصره وهدايته وكفايته لأجل أن اللَّه هو العزيز الغالب الذي لا يغلب، والقاهر الذي لا يقهر، والحكيم فيما ينزل من من النصرة فيضعها في موضعها.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١١ إلى ١٣]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)
[في قوله تعالى إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الزجاج : إِذْ موضعها نصب على معنى وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى [آل عمران :
١٢٦] / في ذلك الوقت. ويجوز أيضاً أن يكون التقدير : اذكروا إذ يغشيكم النعاس أمنة.
المسألة الثانية : في يُغَشِّيكُمُ ثلاث قراءات : الأولى : قرأ نافع بضم الياء، وسكون الغين، وتخفيف الشين النُّعاسَ بالنصب. الثانية : يغشاكم بالألف وفتح الياء وسكون العين النعاس بالرفع وهي قراءة


الصفحة التالية
Icon