مفاتيح الغيب، ج ١٥، ص : ٤٦١
أبي عمرو وابن كثير. الثالثة : قرأ الباقون يُغَشِّيكُمُ بتشديد الشين وضم الياء من التغشية النُّعاسَ بالنصب، أي يلبسكم النوم. قال الواحدي : القراءة الأولى من أغشى، والثانية من غشي، والثالثة من غشي فمن قرأ (يغشاكم) فحجته قوله : أَمَنَةً نُعاساً يعني : فكما أسند الفعل هناك إلى النعاس والأمنة التي هي سبب النعاس كذلك في هذه الآية ومن قرأ يُغَشِّيكُمُ أو يغشيكم فالمعنى واحد وقد جاء التنزيل بهما في قوله تعالى : فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس : ٩] وقال : فَغَشَّاها ما غَشَّى [النجم : ٥٤] وقال : كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ [يونس : ٢٧] وعلى هذا فالفعل مسند إلى اللَّه.
المسألة الثالثة : أنه تعالى لما ذكر أنه استجاب دعاءهم ووعدهم بالنصر فقال : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ذكر عقيبه وجوه النصر وهي ستة أنواع : الأول : قوله : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ أي من قبل اللَّه، واعلم أن كل نوم ونعاس فإنه لا يحصل إلا من قبل اللَّه تعالى فتخصيص هذا النعاس بأنه من اللَّه تعالى لا بد فيه من مزيد فائدة وذكروا فيه وجوهاً : أحدها : أن الخائف إذا خاف من عدوه الخوف الشديد على نفسه وأهله فإنه لا يؤخذه النوم، وإذا نام الخائفون أمنوا، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن. وثانيها : أنهم خافوا من جهات كثيرة. أحدها : قلة المسلمين وكثرة الكفار. وثانيها :
الأهبة والآلة والعدة للكافرين وقلتها للمؤمنين. وثالثها : العطش الشديد فلولا حصول هذا النعاس وحصول الاستراحة حتى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تم الظفر.
والوجه الثالث : في بيان كون ذلك النعاس نعمة في حقهم، أنهم ما ناموا نوماً غرقاً يتمكن العدو من معاقصتهم بل كان ذلك نعاساً يحصل لهم زوال الأعيان والكلال مع أنهم كانوا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله ولقدروا على دفعه.
والوجه الرابع : أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة. فلهذا السبب قيل : إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز.
فإن قيل : فإن كان الأمر كما ذكرتم فلم خافوا بعد ذلك النعاس؟
قلنا : لأن المعلوم أن اللَّه تعالى يجعل جند الإسلام مظفراً منصوراً وذلك لا يمنع من صيرورة قوم منهم مقتولين.
فإن قيل : إذا قرئ يُغَشِّيكُمُ بالتخفيف والتشديد ونصب النُّعاسَ فالضمير للَّه عز وجل وأَمَنَةً / مفعول له. أما إذا قرئ (يغشاكم النعاس) فكيف يمكن جعل قوله : أَمَنَةً مفعولًا له، مع أن المفعول له يجب أن يكون فعلًا لفاعل الفعل المعلل؟
قلنا : قوله : يُغَشِّيكُمُ وإن كان في الظاهر مسنداً إلى النعاس، إلا أنه في الحقيقة مسند إلى اللَّه تعالى، فصح هذا التعليل نظراً إلى المعنى. قال صاحب «الكشاف» : وقرئ أمنة بسكون الميم، ونظير أمن أمنة، حي حياة، ونظير أمن أمنة، رحم رحمة. قال ابن عباس : النعاس في القتال أمنة من اللَّه، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان.
[في قوله تعالى وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ] النوع الثاني : من أنواع نعم اللَّه تعالى المذكورة في هذا الموضع قوله تعالى : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ولا شبهة أن المراد منه المطر، وفي الخبر أن القوم سبقوا إلى


الصفحة التالية
Icon