مفاتيح الغيب، ج ١٥، ص : ٥٢٢
بعضهم : هما سورة واحدة لأن كلتيهما نزلت في القتال ومجموعهما هذه السورة السابعة من الطوال وهي سبع، وما بعدها المئون. وهذا قول ظاهر لأنهما معاً مائتان وست آيات، فهما بمنزلة سورة واحدة. ومنهم من قال هما سورتان، فلما ظهر الاختلاف بين الصحابة في هذا الباب تركوا بينهما فرجة تنبيهاً على قول من يقول هما سورتان، وما كتبوا بسم اللَّه الرحمن الرحيم بينهما تنبيهاً على قول من يقول هما سورة واحدة، وعلى هذا القول لا يلزمنا تجويز مذهب الإمامية، وذلك لأنه لما وقع الاشتباه في هذا المعنى بين الصحابة لم يقطعوا بأحد القولين، وعملوا عملًا يدل على أن هذا الاشتباه كان حاصلًا، فلما لم يتسامحوا بهذا القدر من الشبهة دل على أنهم كانوا مشددين في ضبط القرآن عن التحريف والتغيير، وذلك يبطل قول الإمامية.
الوجه الرابع : في هذا الباب : أنه تعالى ختم سورة الأنفال بإيجاب أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضاً وأن يكونوا منقطعين عن الكفار بالكلية، ثم إنه تعالى صرح بهذا المعنى في قوله : بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة :
١] فلما كان هذا عين ذلك الكلام وتأكيداً له وتقريراً له، لزم وقوع الفاصل بينهما، فكان إيقاع الفصل بينهما تنبيهاً على كونهما سورتين متغايرتين، وترك كتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم بينهما تنبيهاً على أن هذا المعنى هو عين ذلك المعنى.
الوجه الخامس :
قال ابن عباس : سألت علياً رضي اللَّه عنه : لم لم يكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم بينهما؟
قال : لأن بسم اللَّه الرحمن الرحيم أمان، وهذه السورة نزلت بالسيف ونبذ العهود / وليس فيها أمان.
ويروى أن سفيان بن عيينة ذكر هذا المعنى، وأكده بقوله تعالى : وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [النساء : ٩٤] فقيل له : أليس أن النبي صَلَّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى أهل الحرب بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فأجاب عنه : بأن ذلك ابتداء منه بدعوتهم إلى اللَّه، ولم ينبذ إليهم عهدهم. ألا تراه قال في آخر الكتاب :«و السلام على من اتبع الهدى»
وأما في هذه السورة فقد اشتملت على المقاتلة ونبذ العهود فظهر الفرق.
والوجه السادس : قال أصحابنا : لعل اللَّه تعالى لما علم من بعض الناس أنهم يتنازعون في كون بسم اللَّه الرحمن الرحيم من القرآن، أمر بأن لا تكتب هاهنا، تنبيهاً على كونها آية من أول كل سورة، وأنها لما لم تكن آية من هذه السورة، لا جرم لم تكتب، وذلك يدل على أنها لما كتبت في أول سائر السور وجب كونها آية من كل سورة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١ إلى ٢]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)
[في قوله تعالى بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ] وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : معنى البراءة انقطاع العصمة. يقال : برئت من فلان أبرأ براءة، أي انقطعت بيننا العصمة ولم يبق بيننا علقة، ومن هنا يقال برئت من الدين، وفي رفع قوله : بَراءَةٌ قولان : الأول : أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة. قال الفراء : ونظيره قولك إذا نظرت إلى رجل جميل، جميل واللَّه، أي هذا جميل واللَّه، وقوله : مِنَ لابتداء الغاية، والمعنى : هذه براءة واصلة من اللَّه ورسوله إلى الذين عاهدتم، كما تقول كتاب من فلان إلى فلان. الثاني : أن يكون قوله : بَراءَةٌ مبتدأ وقوله : مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صفتها وقوله : إِلَى