مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٠٤
الشبهة الرابعة : إذا قتل إنسان واغتذى به إنسان آخر فيلزم أن يقال تلك الأجزاء في بدن كل واحد من الشخصين وذلك محال.
والجواب : هذه الشبهة أيضا مبنية على أن الإنسان المعين عبارة عن مجموع هذا البدن، وقد بينا أنه باطل بل الحق أنه عبارة عن النفس سواء.
قلنا : النفس جوهر مجرد وأجسام لطيفة باقية مشاكلة للجسد، وهي التي سمتها المتكلمون بالأجزاء الأصلية. وهذا آخر البحث العقلي عن مسألة المعاد.
المسألة الرابعة : قوله تعالى : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فيه أبحاث :
البحث الأول : أن كلمة «إلى» لانتهاء الغاية، وظاهره يقتضي أن يكون اللّه سبحانه مختصا بحيز وجهة، حتى يصلح أن يقال : إليه مرجع الخلق.
والجواب عنه من وجوه : الأول : أنا إذا قلنا النفس جوهر مجرد، فالسؤال زائل. الثاني : أن يكون المراد منه : أن مرجعهم إلى حيث لا حاكم سواه. الثالث : أن يكون المراد : أن مرجعهم إلى حيث حصل الوعد فيه بالمجازاة.
البحث الثاني : ظاهر الآيات الكثيرة يدل على أن الإنسان عبارة عن النفس، لا عن البدن، ويدل أيضا على أن النفس كانت موجودة قبل البدن. أما أن الإنسان شيء غير هذا البدن فلقوله تعالى : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ [آل عمران : ١٦٩] فالعلم الضروري حاصل بأن بدن المقتول ميت، والنص دال على أنه حي، فوجب أن تكون حقيقته شيئا مغايرا لهذا البدن الميت، وأيضا قال اللّه تعالى في صفة نزع روح الكفار أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الأنعام : ٩٣] وأما إن النفس كانت موجودة قبل البدن، فلأن قوله تعالى في هذه الآية : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ يدل على ما قلنه، لأن الرجوع إلى الموضع إنما يحصل لو كان ذلك الشيء قد كان هناك قبل ذلك، ونظيره قوله تعالى : يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً [الفجر : ٢٧، ٢٨] وقوله : ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام : ٦٢].
البحث الثالث : المرجع بمعنى الرجوع وجَمِيعاً نصب على الحال أي ذلك الرجوع يحصل حال الاجتماع، وهذا يدل على أنه ليس المراد من هذا المرجع الموت، وإنما المراد منه القيامة.
البحث الرابع : قوله تعالى : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ يفيد الحصر، وأنه لا رجوع إلا إلى اللّه تعالى، ولا حكم إلا حكمه ولا نافذ إلا أمره، وأما قوله : وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله : وَعْدَ اللَّهِ منصوب على معنى : وعدكم اللّه وعدا، لأن قوله : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ معناه : الوعد بالرجوع، فعلى هذا التقدير يكون قوله : وَعْدَ اللَّهِ مصدرا مؤكدا لقوله :/ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ وقوله : حَقًّا مصدرا مؤكدا لقوله : وَعْدَ اللَّهِ فهذه التأكيدات قد اجتمعت في هذا الحكم.
المسألة الثانية : قرئ وعد الله على لفظ الفعل. واعلم أنه تعالى لما أخبر عن وقوع الحشر والنشر، ذكر بعده ما يدل على كونه في نفسه ممكن الوجود ثم ذكر بعده ما يدل على وقوعه. أما ما يدل على إمكانه في نفسه فهو قوله سبحانه : إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon