مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٣٣
واعتاده من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة، فظهر أنه لا يمكن تقرير ذلك المعنى الكلي المذكور في الآية المتقدمة بمثال أحسن وأكمل من المثال المذكور في هذه الآية.
المسألة الثانية :
يحكى أن واحدا قال لجعفر الصادق : اذكر لي دليلا على إثبات الصانع فقال : أخبرني عن حرفتك : فقال : أنا رجل أتجر في البحر، فقال : صف لي كيفية حالك فقال : ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح واحد من ألواحها، وجاءت الرياح العاصفة، فقال / جعفر : هل وجدت في قلبك تضرعا ودعاء فقال نعم فقال جعفر : فإلهك هو الذي تضرعت إليه في ذلك الوقت.
المسألة الثالثة : قرأ ابن عامر ينشركم من النشر الذي هو خلاف الطي كأنه أخذه من قوله تعالى :
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الجمعة : ١٠] والباقون قرءوا يُسَيِّرُكُمْ من التسيير.
المسألة الرابعة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن فعل العبد يجب أن يكون خلقا للَّه تعالى قالوا : دلت هذه الآية على أن سير العباد من اللَّه تعالى، ودل قوله تعالى : قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ [الأنعام : ١١] على أن سيرهم منهم، وهذا يدل على أن سيرهم منهم ومن اللَّه، فيكون كسبيا لهم وخلقا للَّه ونظيره قوله تعالى : كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ [الأنفال : ٥] وقال في آية أخرى : إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة : ٤٠] وقال في آية أخرى : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً [التوبة : ٨٢] ثم قال في آية أخرى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى [النجم : ٤٣] وقال في آية أخرى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال : ٧] قال الجبائي : أما كونه تعالى مسيرا لهم في البحر على الحقيقة فالأمر كذلك وأما سيرهم في البر فإنما أضيف إلى اللَّه تعالى على التوسع فما كان منه طاعة فبأمره وتسهيله، وما كان منه معصية فلأنه تعالى هو الذي أقدره عليه وزاد القاضي فيه يجوز أن يضاف ذلك إليه تعالى من حيث إنه تعالى سخر لهم المركب في البر، وسخر لهم الأرض التي يتصرفون عليها بإمساكه لها، لأنه تعالى لو لم يفعل ذلك لتعذر عليهم السير.
وقال القفال : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي هو اللَّه الهادي لكم إلى السير في البر والبحر طلبا للمعاش لكم، وهو المسير لكم، لأجل أنه هيأ لكم أسباب ذلك السير هذا جملة ما قيل في الجواب عنه ونحن نقول : لا شك أن المسير في البحر هو اللَّه تعالى، لأن اللَّه تعالى هو المحدث لتلك الحركات في أجزاء السفينة، ولا شك أن إضافة الفعل إلى الفاعل هو الحقيقة فنقول : وجب أيضا أن يكون مسيرا لهم في البر بهذا التفسير، إذ لو كان مسيرا لهم في البر بمعنى إعطاء الآلات والأدوات لكان مجازا بهذا الوجه، فيلزم كون اللفظ الواحد حقيقة ومجازا دفعة واحدة، وذلك باطل.
واعلم أن مذهب الجبائي أنه لامتناع في كون اللفظ حقيقة ومجازا بالنسبة إلى المعنى الواحد. وأما أبو هاشم فإنه يقول : إن ذلك ممتنع، إلا أنه يقول : لا يبعد أن يقال إنه تعالى تكلم به مرتين.
واعلم أن قول الجبائي : قد أبطلناه في أصول الفقه، وقول أبي هاشم أنه تعالى تكلم به مرتين أيضا بعيد لأن هذا قول لم يقل به أحد من الأمة ممن كانوا قبله، فكان هذا على خلاف الإجماع فيكون باطلا.
واعلم أنه بقي في هذه الآية سؤالات :
السؤال الأول : كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، مع أن الكون في الفلك متقدم لا محالة على التسيير في البحر؟


الصفحة التالية
Icon