مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٣٤
والجواب : لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير، بل تقدير الكلام كأنه قيل هو الذي يسيركم حتى إذا وقع في جملة تلك التسييرات الحصول في الفلك كان كذا وكذا.
السؤال الثاني : ما جواب إِذا في قوله : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ.
الجواب : هو أن جوابها هو قوله : جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ ثم قال صاحب «الكشاف» :
وأما قوله : دَعَوُا اللَّهَ فهو بدل من ظَنُّوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك. وقال بعض الأفاضل لو حمل قوله : دَعَوُا اللَّهَ على الاستئناف كان أوضح، كأنه لما قيل : جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ قال قائل فما صنعوا؟ فقيل : دَعَوُا اللَّهَ.
السؤالالثالث : ما الفائدة في صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة؟
الجواب فيه وجوه : الأول : قال صاحب «الكشاف» : المقصود هو المبالغة كأنه تعالى يذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها، ويستدعى منهم مزيد الإنكار والتقبيح. الثاني : قال أبو علي الجبائي : إن مخاطبته تعالى لعباده، هي على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، فهي بمنزلة الخبر عن الغائب وكل من أقام الغائب مقام المخاطب، حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب. الثالث : وهو الذي خطر بالبال في الحال، أن الانتقال في الكلام من لفظ الغيبة إلى لفظ الحضور فإنه يدل على مزيد التقرب والإكرام وأما ضده وهو الانتقال من لفظ الحضور إلى لفظ الغيبة، يدل على المقت والتبعيد.
أما الأول : فكما في سورة الفاتحة، فإن قوله : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة :
٢، ٣] كله مقام الغيبة، ثم انتقل منها إلى قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : ٥] وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقل من مقام الغيبة إلى مقام الحضور، وهو يوجب علو الدرجة، وكمال القرب من خدمة رب العالمين.
وأما الثاني : فكما في هذه الآية، لأن قوله : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ خطاب الحضور، وقوله :
وَجَرَيْنَ بِهِمْ مقام الغيبة، فههنا انتقل من مقام الحضور إلى مقام الغيبة، وذلك يدل على المقت والتبعيد والطرد، وهو اللائق بحال هؤلاء، لأن من كان صفته أنه يقابل إحسان اللَّه تعالى إليه بالكفران، كان اللائق به ما ذكرناه.
السؤال الرابع : كم القيود المعتبرة في الشرط والقيود المعتبرة في الجزاء؟
الجواب : أما القيود المعتبرة في الشرط فثلاثة : أولها : الكون في الفلك، وثانيها : جرى الفلك بالريح الطيبة، وثالثها : فرحهم بها. وأما القيود المعتبرة في الجزاء فثلاثة أيضا : أولها : قوله : جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وفيه سؤالان :
السؤال الأول : الضمير في قوله : جاءَتْها عائد إلى الفلك وهو ضمير الواحد، والضمير في قوله :
وَجَرَيْنَ بِهِمْ عائد إلى الفلك وهو الضمير الجمع، فما السبب فيه؟
الجواب عنه من وجهين : الأول : أنا لا نسلم أن الضمير في قوله : جاءَتْها عائد إلى الفلك، بل نقول إنه عائد إلى الريح الطيبة المذكورة في قوله : وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ الثاني : لو سلمنا ما ذكرتم إلا أن لفظ الْفُلْكِ يصلح للواحد والجمع، فحسن الضميران.


الصفحة التالية
Icon