مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٤١
قال : والذي يدل على صحته : القرآن وأقوال المفسرين.
أما القرآن : فقوله تعالى : لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر : ٣٠].
وأما أقوال المفسرين :
فنقل عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال : الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة.
وعن ابن عباس : أن الحسنى هي الحسنة، والزيادة عشر أمثالها وعن الحسن : عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وعن مجاهد : الزيادة مغفرة اللَّه ورضوانه. وعن يزيد بن سمرة : الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول :
ما تريدون أن أمطركم فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم. أجاب أصحابنا عن هذه الوجوه فقالوا : أما قولكم إن الدلائل العقلية دلت على امتناع رؤية اللَّه تعالى فهذا ممنوع، لأنا بينا في كتب الأصول أن تلك الدلائل في غاية الضعف ونهاية السخافة، وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية اللَّه تعالى وجاءت الأخبار الصحيحة بإثبات الرؤية، وجب إجراؤها على ظواهرها. أما قوله الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه فنقول : المزيد عليه، إذا كان مقدرا بمقدار معين، وجب أن تكون الزيادة عليه مخالفة له.
مثال الأول : قول الرجل لغيره : أعطيتك عشرة أمداد من الحنطة وزيادة، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة من الحنطة.
ومثال الثاني : قوله أعطيتك الحنطة وزيادة، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة غير الحنطة، والمذكور في هذه الآية لفظ الْحُسْنى وهي الجنة، وهي مطلقة غير مقدرة بقدر معين، فوجب أن تكون تلك الزيادة عليها شيئا مغايرا لكل ما في الجنة. وأما قوله : الخبر المذكور في هذا الباب، اشتمل على لفظ النظر، وعلى إثبات الوجه للَّه تعالى، وكلاهما يوجبان التشبيه فنقول : هذا الخبر أفاد إثبات الرؤية، وأفاد إثبات الجسمية. ثم قام الدليل على أنه ليس بجسم، ولم يقم الدليل على امتناع رؤيته، فوجب ترك العمل بما قام الدليل على فساده فقط، وأيضا فقد بينا أن لفظ هذه الآية / يدل على أن الزيادة هي الرؤية من غير حاجة تنافي تقرير ذلك الخبر، واللَّه أعلم.
واعلم أنه تعالى لما شرح ما يحصل لأهل الجنة من السعادات، شرح بعد ذلك الآفات التي صانهم اللَّه بفضله عنها، فقال : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ والمعنى : لا يغشاها قتر، وهي غبرة فيها سواد وَلا ذِلَّةٌ ولا أثر هوان ولا كسوف.
فالصفة الأولى : هي قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس : ٤٠].
والصفة الثانية : هي قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ [الغاشية : ٢، ٣] والغرض من نفي هاتين الصفتين، نفي أسباب الخوف والحزن والذل عنهم، ليعلم أن نعيمهم الذي ذكره اللَّه تعالى خالص غير مشوب بالمكروهات، وأنه لا يجوز عليهم ما إذا حصل غير صفحة الوجه، ويزيل ما فيها من النضارة والطلاقة، ثم بين أنهم خالدون في الجنة لا يخافون الانقطاع.
واعلم أن علماء الأصول قالوا : الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فقوله : وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يونس : ٢٥] يدل على غاية التعظيم. وقوله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ يدل على حصول المنفعة وقوله : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ يدل على كونها خالصة وقوله : أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ إشارة إلى كونها دائمة آمنة من الانقطاع واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon