مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٤٣
وصفهم بالشرك، وذلك يدل على أن هؤلاء هم الكفار، ولأن العلم نور وسلطان العلوم والمعارف / هو معرفة اللَّه تعالى، فكل قلب حصل فيه معرفة اللَّه تعالى لم يحصل فيه الظلمة أصلا، وكان الشبلي رحمة اللَّه تعالى عليه يتمثل بهذا ويقول :
كل بيت أنت ساكنه غير محتاج إلى السرج
وجهك المأمول حجتنا يوم يأتي الناس بالحجج
وقال القاضي : إن قوله : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ عام يتناول الكافر والفاسق إلا أنا نقول : الصيغة وإن كانت عامة إلا أن الدلائل التي ذكرناها تخصصه.
المسألة الرابعة : قال الفراء : في قوله : جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وجهان : الأول : أن يكون التقدير : فلهم جزاء السيئة بمثلها، كما قال : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ [البقرة : ١٩٦] أي فعلية. والثاني : أن يعلق الجزاء بالباء في قوله : بِمِثْلِها قال ابن الأنباري : وعلى هذا التقدير الثاني فلا بد من عائد الموصول والتقدير : فجزاء سيئة منهم بمثلها.
أما قوله : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ فهو معطوف على يجازي، لأن قوله : جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها تقديره : يجازي سيئة بمثلها، وقرئ يرهقهم ذلة بالياء.
أما قوله تعالى : كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أُغْشِيَتْ أي ألبست وُجُوهُهُمْ قِطَعاً قرأ ابن كثير والكسائي قِطَعاً بسكون الطاء، وقرأ الباقون بفتح الطاء، والقطع بسكون الطاء القطعة وهي البعض، ومنه قوله تعالى : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ [هود : ٨١] أي قطعة. وأما قطع بفتح الطاء، فهو جمع قطعة، ومعنى الآية : وصف وجوههم بالسواد، حتى كأنها ألبست سوادا من الليل، كقوله تعالى : تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر : ٦٠] وكقوله : فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [آل عمران : ١٠٦] وكقوله : يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرحمن : ٤١] وتلك العلامة هي سواد الوجه وزرقة العين.
المسألة الثانية : قوله : مُظْلِماً قال الفراء والزجاج : هو نعت لقوله : قِطَعاً وقال أبو علي الفارسي :
ويجوز أن يجعل حالا كأنه قيل : أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حال ظلمته.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٨ إلى ٢٩]
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩)
وفيه مسائل :
[في قوله تعالى وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ ] المسألة الأولى : اعلم أن هذا نوع آخر من شرح فضائح أولئك الكفار، فالضمير في قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ عائد إلى المذكور السابق، وذلك هو قوله : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ [يونس : ٢٧] فلما وصف اللَّه هؤلاء الذين يحشرهم بالشرك والكفر، دل على أن المراد من قوله : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ الكفار، وحاصل الكلام : أنه تعالى يحشر العابد والمعبود، ثم إن المعبود يتبرأ من العابد، ويتبين له أنه ما فعل ذلك بعلمه


الصفحة التالية
Icon