مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٦٣
على الجزاء كما في هذه الآية، وهذه الآية تدل على أن الجزاء يحصل مع حصول الشرط لا متأخرا عنه وأن حرف الفاء لا يدل على التراخي وإنما يدل على كونه جزاء.
إذا ثبت هذا فنقول : إذا قال الرجل لامرأة أجنبية إن نكحتك فأنت طالق قال الشافعي رضي اللَّه عنه : لا يصح هذا التعليق، وقال أبو حنيفة رضي اللَّه عنه : يصح، والدليل على أنه لا يصح أن هذه الآية دلت على أن الجزاء إنما يحصل حال حصول الشرط، فلو صح هذا التعليق لوجب أن يحصل الطلاق مقارنا للنكاح، لما ثبت أن الجزاء يجب حصوله مع حصول الشرط، وذلك يوجب الجمع بين الضدين، ولما كان هذا اللازم باطلا وجب أن لا يصح هذا التعليق.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٠ إلى ٥٢]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢)
[في قوله تعالى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ] اعلم أن هذا هو الجواب الثاني عن قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس : ٤٨] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : حاصل الجواب أن يقال لأولئك الكفار الذين يطلبون نزول العذاب بتقدير أن يحصل هذا المطلوب وينزل هذا العذاب ما الفائدة لكم فيه؟ فإن قلتم نؤمن عنده، فذلك باطل، لأن الإيمان في ذلك الوقت إيمان حاصل في وقت الإلجاء والقسر، وذلك لا يفيد نفعا ألبتة، فثبت أن هذا الذي تطلبونه لو حصل لم يحصل منه إلا العذاب في الدنيا، ثم يحصل عقيبه يوم القيامة عذاب آخر أشد منه، وهو أنه يقال للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد، ثم يقرن بذلك العذاب كلام يدل على الإهانة والتحقير وهو أنه تعالى يقول : هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فحاصل هذا الجواب : أن هذا الذي تطلبونه هو محض الضرر العاري عن جهات النفع والعاقل لا يفعل ذلك.
المسألة الثانية : قوله : بَياتاً أي ليلا يقال بت ليلتي أفعل كذا، والسبب فيه أن الإنسان في الليل يكون ظاهرا في البيت، فجعل هذا اللفظ كناية عن الليل والبيات مصدر مثل التبييت كالوداع والسراح، ويقال في النهار ظللت أفعل كذا، لأن الإنسان في النهار يكون ظاهرا في الظل. وانتصب بَياتاً على الظرف أي وقت بيات وكلمة ماذا فيها وجهان : أحدهما : أن يكون (ماذا) اسما وأحدا ويكون منصوب المحل كما لو قال ماذا أراد اللَّه، ويجوز أن يكون (ذا) بمعنى الذي، فيكون (ماذا) كلمتين ومحل (ما) الرفع على الابتداء وخبره (ذا) وهو بمعنى الذي، فيكون معناه ما الذي يستعجل منه المجرمون ومعناه، أي شيء الذي يستعجل من العذاب المجرمون.
واعلم أن قوله : إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً شرط.
وجوابه : قوله ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ وهو كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني، يعنى : إن حصل هذا المطلوب، فأي مقصود تستعجلونه منه.
وأما قوله : أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ فاعلم أن دخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في قوله : أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى [الأعراف : ٩٨] أَفَأَمِنَ [الأعراف : ٩٨] وهو يفيد التفريع والتوبيخ، ثم أخبر تعالى أن ذلك الإيمان غير واقع لهم بل يعيرون ويوبخون، يقال : آلآن تؤمنون وترجون الانتفاع بالإيمان


الصفحة التالية
Icon