مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٣١٤
المسألة السابعة : قال صاحب «الكشاف» قوله : مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ يحتمل وجوها : الأول : أنا ذكرنا أن قوله : كِتابٌ خبر وأُحْكِمَتْ صفة لهذا الخبر، وقوله : مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية والتقدير :
الر كتاب من لدن حكيم خبير. والثاني : أن يكون خبرا بعد خبر والتقدير : الر من لدن حكيم خبير. والثالث :
أن يكون ذلك صفة لقوله :(أحكمت، وفصلت) أي أحكمت وفصلت من لدن حكيم خبير، وعلى هذا التقدير فقد حصل بين أول هذه الآية وبين آخرها نكتة لطيفة كأنه يقول أحكمت آياته من لدن حكيم وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢ إلى ٤]
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤)
[في قوله تعالى أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ] اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن في قوله : أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وجوها : الأول : أن يكون مفعولا له والتقدير :
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لأجل ألا تعبدوا إلا اللَّه وأقول هذا التأويل يدل على أنه لا مقصود من هذا الكتاب الشريف إلا هذا الحرف الواحد، فكل من صرف عمره إلى سائر المطالب، فقد خاب وخسر. الثاني : أن تكون (أن) مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول والحمل على هذا أولى، لأن قوله : وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا معطوف على قوله : أَلَّا تَعْبُدُوا فيجب أن يكون معناه : أي لا تعبدوا ليكون الأمر معطوفا على النهي، فإن كونه بمعنى لئلا تعبدوا يمنع عطف الأمر عليه. والثالث : أن يكون التقدير : الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليأمر الناس أن لا يعبدوا إلا اللَّه ويقول لهم، إنني لكم منه نذير وبشير واللَّه أعلم.
المسألة الثانية : اعلم أن هذه الآية مشتملة على التكليف من وجوه : الأول : أنه تعالى أمر بأن لا يعبدوا إلا اللَّه، وإذا قلنا : الاستثناء من النفي إثبات، كان معنى هذا الكلام النهي عن عبادة غير اللَّه تعالى، والأمر بعبادة اللَّه تعالى، وذلك هو الحق، لأنا بينا أن ما سوى اللَّه فهو محدث مخلوق مربوب، وإنما حصل بتكوين اللَّه وإيجاده، والعبادة عبارة عن إظهار الخضوع والخشوع ونهاية التواضع والتذلل وهذا لا يليق إلا بالخالق المدبر الرحيم المحسن، فثبت أن عبادة غير اللَّه منكرة، والإعراض عن عبادة اللَّه منكر.
واعلم أن عبادة اللَّه مشروطة بتحصيل معرفة اللَّه تعالى قبل العبادة، لأن من لا يعرف معبوده لا ينتفع بعبادته فكان الأمر بعبادة اللَّه أمرا بتحصيل المعرفة أولا ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة : يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة : ٢١] ثم أتبعه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وهو قوله : الَّذِي / خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة : ٢١] إنما حسن ذلك لأن الأمر بالعبادة يتضمن الأمر بتحصيل المعرفة فلا جرم ذكر ما يدل على تحصيل المعرفة.
ثم قال : إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وفيه مباحث :


الصفحة التالية
Icon