مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٢٠
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥ إلى ٦]
قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
[في قوله تعالى قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ ] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حفص يا بُنَيَّ بفتح الياء والباقون بالكسر.
المسألة الثانية : أن يعقوب عليه السلام كان شديد الحب ليوسف وأخيه فحسده إخوته لهذا السبب وظهر ذلك المعنى ليعقوب عليه السلام بالأمارات الكثيرة فلما ذكر يوسف عليه السلام هذه الرؤيا وكان تأويلها أن إخوته وأبويه يخضعون له فقال لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها فيكيدوا لك كيدا.
المسألة الثالثة : قال الواحدي : الرؤيا مصدر كالبشرى والسقيا والشورى إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء. قال صاحب «الكشاف» : الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بحرفي التأنيث، كما قيل : القربة والقربى وقرئ روياك بقلب الهمزة واوا وسمع الكسائي يقرأ رياك ورياك بالإدغام وضم الراء وكسرها وهي ضعيفة.
ثم قال تعالى : فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً وهو منصوب بإضمار أن والمعنى إن قصصتها عليهم كادوك.
فإن قيل : فلم لم يقل فيكيدوك كما قال : فَكِيدُونِي [هود : ٥٥].
قلنا : هذه اللام تأكيد للصلة كقوله لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ، وكقولك نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك، وقيل هي من صلة الكيد على معنى فيكيدوا كيدا لك. قال أهل التحقيق : وهذا يدل على أنه قد كان لهم علم بتعبير الرؤيا وإلا لم يعلموا من هذه الرؤيا ما يوجب حقدا وغضبا.
ثم قال : إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ والسبب في هذا الكلام أنهم لو أقدموا على الكيد لكان ذلك مضافا إلى الشيطان ونظيره قول موسى عليه السلام هذا من عمل الشيطان، [في قوله تعالى وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ إلى قوله إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] ثم إن يعقوب عليه السلام قصد بهذه النصيحة تعبير تلك الرؤيا وذكروا أمورا : أولها : قوله : وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يعني وكما اجتباك بمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبر شأن كذلك يجتبيك لأمور عظام. قال الزجاج : الاجتباء مشتق من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك ومنه جبيت الماء في الحوض، واختلفوا في المراد بهذا الاجتباء، فقال الحسن : يجتبيك ربك بالنبوة، وقال آخرون : المراد منه إعلاء الدرجة وتعظيم المرتبة فأما تعيين النبوة فلا دلالة في اللفظ عليه. وثانيها : قوله : وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وفيه وجوه : الأول : المراد منه تعبير الرؤيا سماه تأويلا لأنه يئول أمره إلى ما رآه في المنام يعني تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم. قالوا : إنه عليه السلام كان في علم التعبير غاية، والثاني : تأويل الأحاديث في كتب اللَّه تعالى والأخبار المروية عن الأنبياء المتقدمين، كما أن الواحد من علماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن وتأويله، وتأويل الأحاديث المروية عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، والثالث : الأحاديث جمع حديث، / والحديث هو الحادث، وتأويلها مآلها، ومآل الحوادث إلى قدرة اللَّه تعالى وتكوينه وحكمته، والمراد من تأويل الأحاديث كيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات الروحانية والجسمانية على قدرة اللَّه تعالى وحكمته وجلالته، وثالثها : قوله : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ.