مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٨٧
ذكر ذلك النداء على سبيل الاستفهام، وعلى هذا التقدير يخرج عن أن يكون كذبا. الرابع : ليس في القرآن أنهم نادوا بذلك النداء عن أمر يوسف عليه السلام والأقرب إلى ظاهر الحال أنهم فعلوا ذلك من أنفسهم لأنهم لما طلبوا السقاية وما وجدوها وما كان هناك أحد إلا هم غلب على ظنونهم أنهم هم الذين أخذوها ثم إن إخوة يوسف قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي تَفْقِدُونَ من أفقدته إذا وجدته فقيدا قالوا تفقد صواع الملك. قال صاحب «الكشاف» : قرئ صواع وصاع وصوع وصوع بفتح الصاد وضمها، والعين معجمة وغير معجمة. قال بعضهم جمع صواع صيعان، كغراب وغربان، وجمع صاع أصواع، كباب وأبواب. وقال آخرون : لا فرق بين الصاع والصواع، والدليل عليه قراءة أبي هريرة : قالوا نفقد صاع الملك وقال بعضهم : الصواع اسم، والسقاية وصف، كقولهم : كوز وسقاء، فالكوز اسم والسقاء وصف.
ثم قال : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ أي من الطعام وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ قال مجاهد : الزعيم هو المؤذن الذي أذن. وتفسير زعيم كفيل. قال الكلبي : الزعيم الكفيل بلسان أهل اليمن. وروى أبو عبيدة / عن الكسائي :
زعمت به تزعم زعما وزعامة. أي كفلت به، وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم، وقد حكم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
في قوله :«الزعيم غارم».
فإن قيل : هذه كفالة بشيء مجهول؟
قلنا : حمل بعير من الطعام كان معلوما عندهم، فصحت الكفالة به إلا أن هذه كفالة مال لرد سرقة، وهو كفالة بما لم يجب لأنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئا على رد السرقة، ولعل مثل هذه الكفالة كانت تصح عندهم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٣ إلى ٧٥]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥)
قال البصريون : الواو في (و اللَّه) بدل من التاء والتاء بدل من الواو فضعفت عن التصرف في سائر الأسماء وجعلت فيما هو أحق بالقسم وهو اسم اللَّه عز وجل. قال المفسرون : حلفوا على أمرين : أحدهما :
على أنهم ما جاءوا لأجل الفساد في الأرض لأنه ظهر من أحوالهم امتناعهم من التصرف في أموال الناس بالكلية لا بالأكل ولا بإرسال الدواب في مزارع الناس، حتى
روي أنهم كانوا قد سدوا أفواه دوابهم لئلا تعبث في زرع، وكانوا مواظبين على أنواع الطاعات، ومن كانت هذه صفته فالفساد في الأرض لا يليق به.
والثاني : أنهم ما كانوا سارقين، وقد حصل لهم فيه شاهدا قاطع، وهو أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر ولم يستحلوا أخذها، والسارق لا يفعل ذلك ألبتة ثم لما بينوا براءتهم عن تلك التهمة قال أصحاب يوسف عليه السلام : فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ فأجابوا وقالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ قال ابن عباس كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته وكان استعباد السارق في شرعهم يجري مجرى وجوب القطع في شرعنا، والمعنى جزاء هذا الجرم من وجد المسروق في رحله، أي ذلك الشخص هو جزاء ذلك الجرم، والمعنى : أن استعباده هو جزاء ذلك الجرم، قال الزجاج : وفيه وجهان : أحدهما : أن يقال جزاؤه


الصفحة التالية
Icon