مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ٦٦
السلام أنه ذكرهم بها فقال : وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ فقوله : إِذْ أَنْجاكُمْ ظرف للنعمة بمعنى الأنعام، أي اذكروا إنعام اللّه عليكم في ذلك الوقت.
بقي في الآية سؤالات :
السؤال الأول : ذكر في سورة البقرة : يُذَبِّحُونَ [البقرة : ٤٩] وفي سورة الأعراف : يُقَتِّلُونَ [الأعراف : ٤١] وهاهنا وَيُذَبِّحُونَ مع الواو فما الفرق؟
والجواب : قال تعالى في سورة البقرة : يُذَبِّحُونَ بغير واو لأنه تفسير لقوله : سُوءَ الْعَذابِ وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو تقول : أتاني القوم زيد وعمرو. لأنك أردت أن تفسر القوم بهما ومثله قوله تعالى :
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ [الفرقان : ٦٨، ٦٩] فالآثام لما صار مفسرا بمضاعفة العذاب لا جرم حذف عنه الواو، أما في هذه السورة فقد أدخل الواو فيه، لأن المعنى أنهم يعذبونهم بغير التذبيح وبالتذبيح أيضا فقوله : وَيُذَبِّحُونَ نوع آخر من العذاب لا أنه تفسير لما قبله.
السؤال الثاني : كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم؟
والجواب من وجهين : أحدهما : أن تمكين اللّه إياهم حتى فعلوا ما فعلوا كان بلاء من اللّه. والثاني : وهو أن ذلك إشارة إلى الإنجاء، وهو بلاء عظيم، والبلاء هو الابتلاء، وذلك قد يكون بالنعمة تارة، وبالمحنة أخرى، قال تعالى : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء : ٣٥] وهذا الوجه أولى لأنه يوافق صدر الآية وهو قوله تعالى : وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
السؤال الثالث : هب أن تذبيح الأبناء كان بلاء، أما استحياء النساء كيف يكون بلاء.
الجواب : كانوا يستخدمونهن بالاستحياء في الخلاص منه نعمة، وأيضا إبقاؤهن منفردات عن الرجال فيه أعظم المضار.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٧]
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧)
اعلم أن قوله : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ من جملة ما قال موسى لقومه كأنه قيل : وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة اللّه عليكم واذكروا حين تأذن ربكم، ومعنى تَأَذَّنَ أذن ربكم. ونظير تأذن وآذن توعد وأوعد وتفضل وأفضل، ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل، كأنه قيل : وإذ آذن ربكم إيذانا بليغا ينتفي عنده الشكوك، وتنزاح الشبهة، والمعنى : وإذ تأذن ربكم. فقال : لَئِنْ شَكَرْتُمْ / فأجرى تَأَذَّنَ مجرى قال لأنه ضرب من القول، وفي قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه : وإذ قال ربك لئن شكرتم.
واعلم أن المقصود من الآية بيان أن من اشتغل بشكر نعم اللّه زاده اللّه من نعمه، ولا بد هاهنا من معرفة حقيقة الشكر ومن البحث عن تلك النعم الزائدة الحاصلة عن الاشتغال بالشكر، أما الشكر فهو عبارة عن الاعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه وتوطين النفس على هذه الطريقة، وأما الزيادة في النعم فهي أقسام : منها النعم الروحانية، ومنها النعم الجسمانية، أما النعم الروحانية فهي أن الشاكر يكون أبدا في مطالعة أقسام نعم اللّه تعالى وأنواع فضله وكرمه، ومن كثر إحسانه إلى الرجل أحبه الرجل لا محالة، فشغل النفس بمطالعة أنواع فضل اللّه وإحسانه يوجب تأكد محبة العبد للّه تعالى، ومقام المحبة أعلى مقامات الصديقين، ثم قد يترقى العبد من