مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ٨٠
عن تناوله وهو كقوله : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد : ١٥]. وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ [الكهف : ٢٩].
السؤال الرابع : ما معنى يتجرعه ولا يكاد يسيغه.
الجواب : التجرع تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار، ويقال : ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا وأساغه إساغة. واعلم أن (يكاد) فيه قولان :
القول الأول : أن نفيه إثبات، وإثباته نفي، فقوله : وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أي ويسيغه بعد إبطاء لأن العرب تقول : ما كدت أقوم، أي قمت بعد إبطاء قال تعالى : فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة : ٧١] يعني فعلوا بعد إبطاء، والدليل على حصول الإساغة قوله تعالى : يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج : ٢٠] ولا يحصل الصهر إلا بعد الإساغة، وأيضا فإن قوله : يَتَجَرَّعُهُ يدل على أنهم أساغوا الشيء بعد الشيء فكيف يصح أن يقال بعده إنه يسيغه ألبتة.
والقول الثاني : أن كاد للمقاربة فقول : لا يَكادُ لنفي المقاربة يعني : ولم يقارب أن يسيغه فكيف يحصل الإساغة كقوله تعالى : لَمْ يَكَدْ يَراها [النور : ٤٠] أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها.
فإن قيل : فقد ذكرتم الدليل على حصول الإساغة، فكيف الجمع بينه وبين هذا الوجه.
قلنا عنه جوابان : أحدهما : أن المعنى : ولا يسيغ جميعه كأنه يجرع البعض وما ساغ الجميع. الثاني : أن الدليل الذي ذكرتم إنما دل على وصول بعض ذلك الشراب إلى جوف الكافر، إلا أن ذلك ليس بإساغة، لأن الإساغة في اللغة إجراء الشراب في الحلق بقبول النفس واستطابة المشروب والكافر يتجرع ذلك الشراب على كراهية ولا يسيغه، أي لا يستطيبه ولا يشربه شربا بمرة واحدة وعلى هذين الوجهين يصح حمل لا يكاد على نفي المقاربة واللّه أعلم.
النوع الثالث : مما ذكره اللّه تعالى في وعيد هذا الكافر قوله : وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم : ١٧] والمعنى : أن موجبات الموت أحاطت به من جميع الجهات، ومع ذلك فإنه لا يموت وقيل من كل جزء من أجزاء جسده.
النوع الرابع : قوله : وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ وفيه وجهان : الأول : أن المراد من العذاب الغليظ كونه دائما غير منقطع. الثاني : أنه في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله. قال المفضل : هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد، واللّه أعلم.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٨ إلى ٢٠]
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)
[في قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ إلى قوله هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ] اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواع عذابهم في الآية المتقدمة بين في هذه الآية أن أعمالهم بأسرها تصير ضائعة