مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣١٨
عليهم وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج : ٢٠] وثالثها : يهلكهم من قوله تعالى : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يوسف : ٦٦] السؤال الخامس عشر : ما الخطف. الجواب : أنه الأخذ بسرعة، وقرأ مجاهد «يخطف» بكسر الطاء، والفتح أفصح، وعن ابن مسعود «يختطف» وعن الحسن «يخطف» بفتح الياء والخاء وأصله يختطف، وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء، وعن زيد بن علي : يخطف من خطف وعن أبي يتخطف من قوله :
وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت : ٦٧] أما قوله تعالى : كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [البقرة : ٢٠] فهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في حالتي ظهور البرق وخفائه، والمقصود تمثيل شدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، ولو شاء اللّه لزاد في قصف الرعد فأصمهم، وفي ضوء البرق فأعماهم. وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكاً أخذوه، فالمفعول محذوف، وإما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة «كلما ضاء» فإن قيل كيف قال مع الإضاءة كلما، ومع الإظلام إذا : قلنا لأنهم حراص على إمكان المشيء، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها وليس كذلك التوقف، والأقرب في أظلم أن يكون غير متعد وهو الظاهر، ومعنى قاموا وقفوا وثبتوا في مكانهم، ومنه قامت السوق، وقام الماء جمد، ومفعول شاء محذوف لأن الجواب يدل عليه والمعنى ولو شاء اللّه أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما وهاهنا مسألة، وهي أن المشهور أن «لو» تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، ومنهم من أنكر ذلك وزعم أنها لا تفيد إلا الربط واحتج عليه بالآية والخبر، أما الآية فقوله تعالى : وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال : ٢٣] فلو أفادت كلمة لو انتفاء الشيء لا انتفاء غيره للزم التناقض لأن قوله : وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ / خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ يقتضي أنه ما علم فيهم خيراً وما أسمعهم وقوله :
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ يفيد أنه تعالى ما أسمعهم وأنهم ما تولوا ولكن عدم التولي خير فلزم أن يكون قد علم فيهم خيراً، وما علم فيهم خيراً وأما الخبر
فقوله عليه السلام :«نعم الرجل صهيب لو لم يخف اللّه لم يعصه»
فعلى مقتضى قولهم يلزم أنه خاف اللّه وعصاه وذلك متناقض، فقد علمنا أن كلمة «لو» لا تفيد إلا الربط واللّه أعلم.
وأما قوله : إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : منهم من استدل به على أن المعدوم شيء، قال : لأنه تعالى أثبت القدرة على الشيء، والموجود لا قدرة عليه لاستحالة إيجاد الموجود، فالذي عليه القدرة معدوم وهو شيء فالمعدوم شيء.
والجواب : لو صح هذا الكلام لزم أن ما لا يقدر اللّه عليه لا يكون شيئاً، فالموجود لما لم يقدر اللّه عليه وجب أن لا يكون شيئاً.
المسألة الثانية : احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء، قال لأنها تدل على أن كل شيء مقدور للّه واللّه تعالى ليس بمقدور له، فوجب أن لا يكون شيئاً، واحتج أيضاً على ذلك بقوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى : ١١] قال لو كان هو تعالى شيئاً لكان تعالى مثل نفسه فكان يكذب قوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فوجب أن لا يكون شيئاً حتى لا تتناقض هذه الآية، واعلم أن هذا الخلاف في الاسم، لأنه لا واسطة بين


الصفحة التالية
Icon