مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٣١
تتكلم فيه الصحابة فيكون بدعة فيكون حراماً، أما أن الصحابة ما تكلموا فيه فظاهر، لأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نصب نفسه للاستدلال في / هذه الأشياء، بل كانوا من أشد الناس إنكاراً على من خاض فيه، وإذا ثبت هذا ثبت أنه بدعة وكل بدعة حرام بالاتفاق، أما الأثر، قال مالك بن أنس : إياكم والبدع قيل وما البدع يا أبا عبد اللّه؟ قال أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء اللّه وصفاته وكلامه ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون. وسئل سفيان بن عيينة عن الكلام فقال اتبع السنة ودع البدعة. وقال الشافعي رضي اللّه عنه : لأن يبتلي اللّه العبد بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام وقال : لو أوصى رجل بكتبه العلمية لآخر وكان فيها كتب الكلام لم تدخل تلك الكتب في الوصية وأما الحكم فهو أنه لو أوصى للعلماء لا يدخل المتكلم فيه واللّه أعلم فهذا مجموع كلام الطاعنين في النظر والاستدلال. والجواب : أما الشبه التي تمسكوا بها في أن النظر لا يفيد العلم فهي فاسدة، لأن الشبه التي ذكروها ليست ضرورية بل نظرية، فهم أبطلوا كل النظر ببعض أنواعه وهو متناقض، وأما الشبه التي تمسكوا بها في أن النظر غير مقدور فهي فاسدة، لأنهم مختارون في استخراج تلك الشبه فيبطل قولهم إنها ليست اختيارية، وأما الشبه التي تمسكوا بها في أن التعاويل على النظر قبيح فهي متناقضة، لأنه يلزمهم أن يكون إيرادهم لهذه الشبه التي أوردوها قبيحاً، وأما الشبه التي تمسكوا بها في أن الرسول ما أمر بذلك فهو باطل، لأنا بينا أن الأنبياء بأسرهم ما جاءوا إلا بالأمر بالنظر والاستدلال. وأما قوله تعالى : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف : ٥٨] فهو محمول على الجدل بالباطل، توفيقاً بينه وبين قوله :
وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل : ١٢٥] وأما قوله : وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [الأنعام : ٦٨] فجوابه أن الخوض ليس هو النظر، بل الخوض في الشيء هو اللجاج، وأما
قوله عليه الصلاة والسلام :«تفكروا في الخالق»
فذاك إنما أمر به ليستفاد منه معرفة الخالق وهو المطلوب. وأما
قوله عليه الصلاة والسلام :«عليكم بدين العجائز»
فليس المراد، إلا تفويض الأمور كلها إلى اللّه تعالى والاعتماد في كل الأمور على اللّه على ما قلنا وأما
قوله عليه الصلاة والسلام :«إذا ذكر القدر فأمسكوا»
فضعيف، لأن النهي الجزئي لا يفيد النهي الكلي، وأما الإجماع فنقول : إن عنيتم أن الصحابة لم يستعملوا ألفاظ المتكلمين فمسلم، لكنه لا يلزم منه القدح في الكلام، كما أنهم لم يستعلموا ألفاظ الفقهاء، ولا يلزم منه القدح في الفقه ألبتة، وإن عنيتم أنهم ما عرفوا اللّه تعالى ورسوله بالدليل، فبئس ما قلتم، وأما تشديد السلف على الكلام فهو محمول على أهل البدعة، وأما مسألة الوصية فهي معارضة بما أنه لو أوصى لمن كان عارفاً بذات اللّه وصفاته وأفعاله وأنبيائه ورسله لا يدخل فيه الفقيه. ولأن مبنى الوصايا على العرف فهذا إتمام هذه المسألة واللّه أعلم.
المسألة الثانية : أما حقيقة العبادة فذكرناها في قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وأما الخلق فحكى الأزهري صاحب «التهذيب» عن ابن الأنباري أنه التقدير والتسوية، واحتجوا فيه بالآية والشعر والاستشهاد، أما الآية فقوله تعالى : أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون : ١٤] أي المقدرين وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً [العنكبوت : ١٧] أي / تقدرون كذباً وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ [المائدة : ١١٠] أي تقدر. وأما الشعر فقول زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
وقال آخر :
ولا يئط بأيدي الخالقين ولا أيدى الخوالق إلا جيد الأدم


الصفحة التالية
Icon