مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٣٤
الذكر فيكون أنثى، وبالعكس فدل على الصانع، وسادسها : تمسك أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه بقلعة حصينة ملساء لا فرجة فيها ظاهرها كالفضة المذابة وباطنها كالذهب الإبريز، ثم انشقت الجدران وخرج من القلعة حيوان سميع بصير فلا بد من الفاعل، عنى بالقلعة البيضة وبالحيوان الفرخ، وسابعها : سأل هارون الرشيد مالكاً عن ذلك فاستدل باختلاف الأصوات وتردد النغمات وتفاوت اللغات. وثامنها : سئل أبو نواس عنه، فقال :
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن اللّه ليس له شريك
وتاسعها : سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير. والروث على الحمير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج. وبحار ذات أمواج، أما تدل / على الصانع الحليم العليم القدير؟
وعاشرها : قيل لطبيب : بم عرفت ربك؟ قال باهليلج مجفف أطلق، ولعاب ملين أمسك! وقال آخر : عرفته بنحلة بأحد طرفيها تعسل، والآخر تلسع! والعسل مقلوب اللسع. وحادي عشرها : حكم البديهية في قوله : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف : ٨٧]، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر : ٨٧].
المسألة الرابعة : قال القاضي : الفائدة في قوله : الَّذِي خَلَقَكُمْ أن العبادة لا تستحق إلا بذلك، فلما ألزم عباده بالعبادة بين ماله ولأجله تلزم العبادة. فإن قيل فما الفائدة في قوله : وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وخلق اللّه من قبلهم لا يقتضي وجوب العبادة عليهم، قلنا الجواب من وجهين : الأول : إن الأمر وإن كان على ما ذكرت ولكن علمهم بأن اللّه تعالى خلقهم كعلمهم بأنه تعالى خلق من قبلهم لأن طريقة العلم بذلك واحدة. الثاني : أن من قبلهم كالأصول لهم، وخلق الأصول يجري مجرى الإنعام على الفروع فكأنه تعالى يذكرهم عظيم إنعامه عليهم، كأنه تعالى يقول : لا تظن أني إنما أنعمت عليك حين وجدت بل كنت منعماً عليك قبل أن وجدت بألوف سنين بسبب أني كنت خالقاً لأصولك وآبائك.
المسألة الخامسة : في قوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ بحثان : البحث الأول : أن كلمة لعل للترجي والإشفاق، تقول لعل زيداً يكرمني وقال تعالى : لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه : ٤٤]، لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى : ١٧] ألا ترى إلى قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها [الشورى : ١٨] والترجي والإشفاق لا يحصلان إلا عند الجهل بالعاقبة وذلك على اللّه تعالى محال، فلا بد فيه من التأويل وهو من وجوه :
أحدها : أن معنى «لعل» راجع إلى العباد لا إلى اللّه تعالى فقوله : لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى أي اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما في إيمانه، ثم اللّه تعالى عالم بما يؤول إليه أمره. وثانيها : أن من عادة الملوك والعظماء أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم على إنجازها على أن يقولوا لعل وعسى ونحوهما من الكلمات، أو للظفر منهم بالرمزة، أو الابتسامة أو النظرة الحلوة فإذا عثر على شيء من ذلك لم يبق للطالب شك في الفوز بالمطلوب فعلى هذا الطريق ورد لفظ لعل في كلام اللّه تعالى. وثالثها : ما قيل أن لعل بمعنى كي، قال صاحب «الكشاف» : ولعل لا يكون بمعنى كي، ولكن كلمة لعل للأطماع، والكريم الرحيم إذا أطمع فعلى ما يطمع فيه لا محالة تجري أطماعه مجرى وعده المحتوم، فلهذا السبب قيل لعل في كلام اللّه تعالى بمعنى كي. ورابعها : أنه تعالى فعل بالمكلفين ما لو فعله غيره لاقتضى رجاء حصول المقصود، لأنه