مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٤١
الثمار، وتنحل فضول الأبدان، ويجف وجه الأرض، ويتهيأ للبناء والعمارات، وفي الخريف يظهر اليبس والبرد فتنتقل الأبدان قليلًا قليلًا إلى الشتاء، فإنه إن وقع الانتقال دفعة واحدة هلكت الأبدان وفسدت، وأما حركة الشمس فتأمل في منافعها، فإنها لو كانت واقفة في موضع / واحد لاشتدت السخونة في ذلك الموضع واشتد البرد في سائر المواضع، لكنها تطلع في أول النهار من المشرق فتقع على ما يحاذيها من وجه المغرب، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى الغروب فتشرق على الجوانب الشرقية فلا يبقى موضع مكشوف إلا ويأخذ حظاً من شعاع الشمس، وأيضاً كأن اللّه تعالى يقول لو وقفت في جانب الشرق والغنى قد رفع بناءه على كوة الفقير، فكان لا يصل النور إلى الفقير، لكنه تعالى يقول إن كان الغني منعه نور الشمس فأنا أدير الفلك وأديرها عليه حتى يأخذ الفقير نصيبه.
وأما منافع ميلها في حركتها عن خط الاستواء، فنقول : لو لم يكن للكواكب حركة في الميل لكان التأثير مخصوصاً ببقعة واحدة فكان سائر الجوانب يخلو عن المنافع الحاصلة منه وكان الذي يقرب منه متشابه الأحوال، وكانت القوة هناك لكيفية واحدة، فإن كانت حارة أفنت الرطوبات وأحالتها كلها إلى النارية ولم تتكون المتولدات فيكون الموضع المحاذي لممر الكواكب على كيفية، وخط ما لا يحاذيه على كيفية أخرى وخط متوسط بينهما على كيفية متوسطة فيكون في موضع شتاء دائم يكون فيه الهواء والعجاجة وفي موضع آخر صيف دائم يوجب الاحتراق، وفي موضع آخر ربيع أو خريف لا يتم فيه النضج ولو لم يكن عودات متتالية، وكانت الكواكب تتحرك بطيئاً لكان الميل قليل المنفعة وكان التأثير شديد الإفراط، وكان يعرض قريباً مما لم يكن ميل، ولو كانت الكواكب أسرع حركة من هذه لما كملت المنافع وما تمت، فأما إذا كان هناك ميل يحفظ الحركة في جهة مدة، ثم تنتقل إلى جهة أخرى بمقدار الحاجة وتبقى في كل جهة برهة من الدهر تم بذلك تأثيره وكثرت منفعته، فسبحان الخالق المدبر بالحكمة البالغة والقدرة الغير المتناهية. هذا أما القمر، وهو المسمى بآية الليل : فاعلم أنه سبحانه وتعالى جعل طلوعه وغيبته مصلحة، وجعل طلوعه في وقت مصلحة، وغروبه في وقت آخر مصلحة، أما غروبه ففيه نفع لمن هرب من عدوه فيستره الليل يخفيه فلا يلحقه طالب فينجو، ولولا الظلام لأدركه العدو، وهو المراد من قول المتنبي :
وكم لظلام الليل عندي من يد تخبر أن المانوية تكذب
وأما طلوعه ففيه نفع لمن ضل عنه شيء أخفاه الظلام وأظهره القمر. ومن الحكايات : أن أعرابياً نام عن جمله ليلًا ففقده، فلما طلع القمر وجده فنظر إلى القمر وقال : إن اللّه صورك ونورك، وعلى البروج دورك، فإذا شاء نورك، وإذا شاء كورك، فلا أعلم مزيداً أسأله لك، ولئن أهديت إلي سروراً لقد أهدى اللّه إليك نوراً، ثم أنشأ يقول :
ما ذا أقول وقولي فيك ذو قصر وقد كفيتني التفصيل والجملا
إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا أو قلت زانك ربي فهو قد فعلا
ولقد كان في العرب من يذم القمر ويقول : القمر يقرب الأجل، ويفضح السارق، / ويدرك الهارب.
ويهتك العاشق، ويبلي الكتان، ويهرم الشبان، وينسى ذكر الأحباب، ويقرب الدين، ويدني الحين. وكان فيهم أيضاً من يفضل القمر على الشمس من وجوه : أحدها : أن القمر مذكر. والشمس مؤنث لكن المتنبي طعن فيه بقوله :